رئيس التحرير
عصام كامل

مصر بين الصين واليابان


في القرن الثالث قبل الميلاد، شرع الصينيون في بناء "سور الصين العظيم"؛ لحماية الدولة من الغزوات عليها، ورغم عظمة البناء لسور طوله 2400 كم، الذي أغلق الحدود الشمالية للصين بالكامل، ورغم الحوائط الدفاعية وأبراج المراقبة وثكنات الجنود وأبراج الإنذار والممرات الإستراتيجية، إلا أن الصين تعرضت للغزو عبر ذلك السور الشاهق من قبل المغول والبرابرة، ولعدة مرات بمساعدة عناصر فاسدة من الحراس الصينيين، الذين أرشدوا الغزاة لأماكن الدخول، وأصبح السور الشاهق ليس ذا قيمة بوجود حارس واحد فاسد. 

ولو اهتمت الإمبراطورية ببناء هذا الحارس بطريقة صحيحة، لكان مؤثرًا أكثر من بناء السور، وعلى النقيض دولة مثل اليابان التي شهدت طفرة تعليمية في نهاية القرن التاسع عشر، جعلتها وبعد انتهاء الدولة تقريبًا بسبب قنبلتي هيروشيما وناجازاكي، وتوقيعها على وثيقة استسلام، تُقيم ما سُمي "بجلسات المسح الخاصة"، التي وضعت خطة لإعادة إعمار الاقتصاد الياباني بعد يوم واحد فقط من الهزيمة، وأعدت تقريرا دقيقا مازالت اليابان تعمل به حتى الآن، ويرجع الفضل في ذلك إلى الشابين صغيري السن "أوكيتا" و"جوتو".

كذلك بواسطة الشاب "سويتشيرو"، أصبحت اليابان رائدة صناعة السيارات في العالم، وغيرهم من العقول والأكفاء والمهرة، الذين حولوا الاقتصاد الياباني الذي مات إكلينيكيًا، ليُصبح بعد نصف قرن، الاقتصاد الثالث عالميًا، والدولة الدائنة الأكبر في العالم. 

سبب تلك المقدمة السابقة، هو التقرير المصور الذي نشرته جريدة اليوم السابع المصرية، للقاءات أجرتها مع مواطنين مصريين وسؤالهم عن "ماذا يُذكرك يوم الثالث والعشرين من يوليو، ولماذا كان يوم عطلة؟.. ومن قائد تلك الثورة؟"، وكانت الردود كالتالي:

"23 يوليو قام بها سعد زغلول"، "23 يوليو إجازة احتفالًا بثورة 15 يوليو"، "من أهم إنجازات ثورة 23 يوليو هي قناة السويس"، "ثورة 23 يوليو كانت عام 1995".. والحقيقة أن تلك الإجابات للأسف، كانت تعبيرًا عن إنجازات 23 يوليو، التي كانت أكبر خطاياها هو الدفع بسياسات ومنظومة تعليم فاشلة، مع تجاهل تام للبحث العلمي ولقيمة العلم، وأصبح المجتمع بيئة خانقة للإبداع والتطور والنجاح والحداثة والتقدم، وفشلت مؤسسات الدولة في وظائفها، فلم تعد المدارس تُخرج لنا "متعلمين"، ولا المستشفيات تُخرج لنا "أصحاء"، وبعد أن كانت كليات الطب المصرية تستقبل بعثات من الطلاب الإنجليز، وقف أطباؤنا أمام سفاراتهم أملًا في السفر والرحيل، وبعد أن كانت الدول الأوربية مدينة لنا بالأموال، أصبح شبابنا يسافر لتلك الدول بالآلاف عبر مراكب الهجرة غير الشرعية.

بددنا بأيدينا نعم الله وعطايا الأجداد، فأفسدنا السياحة بسوء المعاملة، وأفسدنا الآثار بالإهمال، وأفسدنا الاستثمار بالفساد.

والآن والدولة المصرية على أعتاب مشروع عظيم مثل قناة السويس الجديدة، علينا أن نفكر، هل ستحمل الخطوة التالية، النجاة بأنفسنا مثل اليابان، أم سنكرر خطأ الصين ونغفل عن بناء الإنسان عبر تعليم يخلق إبداعا ويُثمر علماء وعباقرة؟

وقبل سنوات قال "بوش" الابن عبارة شهيرة: "ظننت الثروة في باطن الأرض، فوجدتها في فصول الدراسة"، الإنسان هو من يفعل كل شيء، هو الذي يعمر أو يدمر، وحسبما تعطيه تأخذ منه.
الجريدة الرسمية