دروس عام «الرمادة»
المراقب لأحوال بلدنا هذه الأيام يجد تفاوتا طبقيا غير مسبوق، فبجانب العشوائيات والقرى الفقيرة والبطالة نجد الفيلات والقصور والترف الشديد.. بجانب المولات والمطاعم الفاخرة التي لا تجد في محيطها مكانا لإيواء سيارتك، ولا تتصدى لهذه الظاهرة الأليمة الدولة بإمكانياتها المحدودة ومسئولياتها المتشعبة.. ويأتي شهر رمضان الكريم فنجد نوعا ما من التكافل الاجتماعي المحدود بإقامة موائد الرحمن، وفي نفس الوقت مع الأسف، تجد حفلات السحور التي تصل أسعارها الخمسمائة جنيه، أما الشباب الثري فلا يجد وسيلة للتعاطف مع الفقراء غير ارتداء البنطال الجينس «الماركة» المهلهل والمقطوع على الركبة ومجرب.
يذكرني وضع مصر الآن وضائقتها المالية «بعض الشيء» بعام الرمادة وموقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا العام، الذي امتحن فيه المسلمين في أنفسهم وأموالهم وأخلاقهم، اكتفى عمر بقليل من الطعام حتى تغير لونه واسود وجهه، ثم جعل يطعم الناس على الموائد العامة ويجلس معهم يأكل مما يأكلون.. وبعد أن اشتدت الأزمة استغاث بعمرو بن العاص الذي أسرع بمعونته «لأبعثن إليك بعير أولها عندك وآخرها عندي»، ولم يكتف عمرو بذلك بل حث زملاءه في الشام والعراق وحدود بلاد العرب على المشاركة، ولم ينس أن يوجه رسله لأن يضمنوا وصول الطعام إلى بطون الجائعين.. وفتح رضي الله عنه بيت المال على مصراعيه من أجل المعوزين؛ حتى إذا لم يجد فيه شيئا كلف كل أسرة غنية بأن تطعم مثل عددها من الفقراء، فعل ذلك بسلطان القانون والدين، اللذين يفرضان على القادرين رعاية العاجزين.
هذه دروس ألقاها عمر بن الخطاب على الحكام والمحكومين في التضامن الاجتماعي والإيثار لا الأثرة، ويقوم على «قول الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي»، وهذا ما ينادي به الرئيس عبد الفتاح السيسي، فقد داوم على مناشدة رجال الأعمال مشاركة أكثر إيجابية طوعا دون إجبار، في الوقت الذي طالب فيه الكثيرون بفرض ضرائب تصاعدية تعود على الفقراء والمحتاجين والمرضى بكرامة دون اللجوء إلى طلب الصدقات في الصحف والفضائيات والإعلانات المتكررة.. تبرعوا.. تبرعوا على رقم كذا ورقم كذا، ما أصبح إذلالا للمريض الذي تتعلق روحه بهذه الحنة من أجل شقائه.
أما عن موائد الرحمن فهي أعظم وأرق ظاهرة عرفتها مصر.. لماذا لا تفكر مرة أسبوعيا على الأقل طول العام مع رعاية رواد هذا التجمع والتكفل بحل مشاكلهم المادية، ومن الطعام والشراب والملبس والمسكن.. كنت عطشانا فسقيتموني وجوعانا فأطعمتموني وعريانا فكسيتموني.. إلخ.
وسيجد كل من أعطاه الله الرزق الوفير السعادة الغامرة، إذا أخذ بيد أسرة من هؤلاء القوم المعوذين، سيجد السعادة في الدنيا والجزاء في الآخرة.
ومن الظواهر الإيجابية الأخرى مساعدة الغارمات والإفراج عنهن، والأهم إعادة تأهيل المفرج عنهن لدمجهن في المجتمع بتوفير المشروعات الصغيرة لهن، وهناك سؤال لماذا الغارمات فقط وليس الغارمين أيضا؟!، وشكرا للسيد الرئيس الذي لم ينس هؤلاء وأمر بسداد ديونهن.
وفي هذ المجال أيضا نذكر نجاح حملة مصر الخير واستمرار تعاون مؤسسة خليفة بن زايد مع مصر الخير لإفطار الصائمين، وقد أعلنت مصر الخير أنها نجحت في الوصول للفئات الأكثر احتياجا، وبهؤلاء أيضا أسألهم الاستمرارية في مساعدة المحتاجين طوال العام وتبني مطالبهم.
ونذكر أيضا شباب «بنيان» الذين اجتمعوا على سياسة البناء وليس مجرد الدعم، بل مساعدة الأسر الفقيرة في تنفيذ مشروعات صغيرة ونجحت المشاريع وأتت بدخل مادي مناسب لتلك الأسر.
وتحيا مصر..