رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية الطفل «مصري» يوم العيد.. وكــــــــل عيد

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

مع إشراقة كل يوم جديد، ينهض الطفل «مصري» من نومه، يرتدى ملابسه الرثة، يولى وجهه شطر الورشة التي يعمل بها منذ 3 سنوات، بإحدى قرى محافظة الجيزة، كان يتمنى أن يقضى أول أيام عيد الفطر بين أسرته، مثل أقرانه، ولكن «الأسطى» صفعه على وجهه صفعة مدوية، ورفض طلبه، وهدده بالاستغناء عن خدماته، إذا لم يفتح الورشة أول أيام العيد، خضع الصغير ذو الاثنى عشر عاما لتهديد رب العمل، لأنه يدرك، رغم حداثة سنه، أنه العائل الوحيد لأمه و3 أشقاء، وأنه إذا ترك عمله، فلن يجد قوت يومهم، ولن تهتم به حكومة المهندس إبراهيم محلب، طالما لم يتم تداول قصته إعلاميا.


في الطريق إلى الورشة، بدا وجه الطفل بائسا متجهما، لا يشى بوجه صغير مقبل على الحياة، بل بقسمات وجه ستينى يودعها، أدمعت عيناه عندما رمق أقرانه يرتدون ملابس العيد الجديدة، ويتقافزون في فرح وسرور، بينما هو مضطر إلى الذهاب إلى عمله الشاق اضطرارا.

هنا أيقن الطفل المكلوم، أنه جاء إلى هذه الحياة ليشقى، فلقد انتزع الموت الغادر أباه منذ 3 سنوات، كان والده «أرزقيا»، لم يترك ميراثا ولا معاشا يعين ورثته على البقاء، فدفعت الأم بصغيرها إلى ورشة قريبة من المنزل، ليتحمل عبئا لا يطيقه من هم في مثل سنه.

تحمل الطفل الصغير المسئولية ولم يتهرب منها، كان يدفع بأجره الزهيد إلى يدى أمه، «سعادة حزينة» كانت ولا تزال تتسلل إلى قلبه الموجوع، كلما ربتت على كتفيه، ودعت له بموفور الصحة والعافية والرزق، أيامه تشبه بعضها، لا شئ يميزها عن الآخر، لا مكان لفرح الصغار ولا للهوهم في قاموس حياته البائسة.

يوما ما.. تسلل إلى أذنيه صوت تليفزيون الورشة، الذي كان يذيع في نشرة التاسعة، تقريرا عن سياسة الدولة الرشيدة في مقاومة ظاهرة عمالة الأطفال المريرة، فالتفت الصغير إلى مصدر الصوت، وتسمر في مكانه، مرت دقيقتان أو ثلاث.. أدرك الطفل، عن تجربة، أن التقرير كاذب مثل أشياء كثيرة في بلاده، ولم ينتبه إلا على صفعة مدوية أخرى على وجهه من كف «الاسطى» الغليظ، تلاها بعبارة بذيئة نصها: «ما تشتغل يا «مصري، يا ابن....»، فمضى الأخير يباشر معركته مع حياة بائسة، ومع حكومات كاذبة مخادعة، لا ترحم الفقراء ولا تحنو على الصغار، إلا أمام الكاميرات.

مأساة «مصرى» ليست استثنائية، بل ظاهرة لا تخطئها العين، في العاصمة وضواحيها والمحافظات، وفى الوقت الذي تدعى الحكومة فيه أنها تبذل جهودا في هذا الملف، عبر المجلس القومى للأمومة والطفولة، فإن الواقع يؤكد أننا بصدد ظاهرة إنسانية مؤلمة لا يشعر بها حريم المجلس الجالسات أمام المكاتب المكيفة، واللاتى يدرس أبناؤهن في المدارس الدولية، حيث إن هناك نحو ٣ ملايين طفل، على الأقل، لا تختلف أحوالهم عن حال «مصرى»، علما أن الر قم لا يشمل أطفال الشوارع.

ولمن لا يعلم فإن هذا المجلس المعطل كغيره من «المجالس القومية لأى حاجة في مصر»، أنشئ في العام 1988، بهدف اقتراح السياسة العامة في مجال الطفولة والأمومة، ووضع مشروع خطة قومية للطفولة والأمومة ومتابعة وتقييم تطبيق السياسة العامة والخطة القومية للطفولة والأمومة في ضوء التقارير المقدمة من الوزارات والهيئات والجهات المختصة وجمع المعلومات والإحصائيات والدراسات المتاحة في المجالات ذات الصلة وتقييم مؤشراتها، ووضع توجيهات تنموية للخطة القومية والمتعلقة بالطفولة والأمومة في مجالات الرعاية الاجتماعية والأسرية والصحية والتعليمية والثقافية والإعلامية والحماية الاجتماعية، ولكن الواقع يؤكد أن المجلس في واد وأطفال مصر في واد آخر، حيث لا يقدم مردودا حقيقيا ولا تثمر جهوده، إن وجدت، نتائج تذكر، ويكفى أنه رفض قبل أيام تقديم العلاج لطفل عقره كلب بمنطقة الهرم بالجيزة. في الوقت الذي أقام فيه الدنيا ولم تقعدها إثر تداول صورة تجمع طفلًا وطفلة من جنوب سيناء تظهر أنهما في مراسم الخطوبة.

ورغم أن قانون الطفل الصادر في 2008 ينص على أن «تكفل الدولة حماية الطفولة والأمومة، وترعى الأطفال، ممن هم أقل من 18 عاما، وتعمل على تهيئة الظروف المناسبة لتنشئتهم التنشئة الصحيحة من كافة النواحى في إطار من الحرية والكرامة الإنسانية، كما تكفل، كحد أدنى، حقوق الطفل الواردة باتفاقية حقوق الطفل وغيرها من المواثيق الدولية ذات الصلة النافذة في مصر، إلا أن الواقع يؤكد أن هذا القانون، مثل غيره، صدر بهدف وحيد فقط، وهو عدم تطبيقه على أرض الواقع.

تقارير رسمية تقدر أعداد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 – 17 عاما، واضطروا إلى العمل، بنحو ٣ ملايين طفل بنسبة 21% من الإناث، و79% من الذكور، علما بأن هذه الإحصائية لا تشمل العمل المنزلي، أو العمالة الموسمية.

وبحسب تقارير جهات محلية ودولية معنية بهذه القضية، فإن الفقر هو أحد الأسباب الرئيسية وراء عمالة الأطفال، فضلا عن الجودة السيئة للعملية التعليمية والعنف في المدارس، ونقص الوعى وتخصيص الأسر لجزء ضئيل من مواردها للاستثمار في تعليم أبنائها حيث لا يشكل التعليم جزءا من أولويات الأسر منخفضة الدخل.
وقبل أيام قليلة، قال مسئولون في الأمم المتحدة والاتحاد الأوربى إن نحو 24 ألف طفل مصرى تلقوا وجبات وحصصا تموينية لأُسرهم في إطار برنامج يهدف إلى منع تسرب الصغار في المناطق الفقيرة من المدرسة وتحولهم للعمل.

وبحسب تقرير صادر عن البنك الدولى فإن أكثر من ربع المصريين يعيشون تحت خط الفقر.

وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» إن الفقر ومشكلات اجتماعية أخرى تجبر ما يصل إلى 15 في المائة من الأطفال المصريين على الاتجاه لسوق العمل بينهم أكثر من مليون يتجهون للعمل في الزراعة بشكل موسمي.

فيما وضع برنامج الأغذية العالمى التابع للأمم المتحدة مشروعا بتكلفة 60 مليون يورو، لاستهداف 100 ألف طفل من 651 مدرسة في مناطق محرومة في مصر، معظمها في الصعيد.

وقالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمى أمينة الكردى إن المشروع يهدف إلى تشجيع الأطفال على الالتحاق بالمدارس والتأكد من بقائهم خارج سوق العمل، في الوقت الذي لاتبذل فيه الحكومة المصرية وأذرعها جهدًا يذكر في هذا الشأن.

ويرى حقوقيون أن الدستور الحالى، لم يوفر للطفل الحماية اللازمة من الدفع به إلى مجالات عمل شاقة، فيما تؤكد تقارير أنه لا توجد ورشة ميكانيكا في مصر لا يوجد فيها طفل صغير تغطى جسده الشحوم والأوساخ ويتعرض للاعتداء البدنى، ولا يحصل إلا على أجر زهيد.

«فيتو».. تجولت في محافظات مصر، ورصدت في الصفحات التالية عددا من مآسي أطفال، أجبروا على ترك مدارسهم، والنزول إلى سوق العمل الشاق، نظير جنيهات معدودة لا تسمن ولا تغنى من جوع، لعل وعسى أن تنتبه الحكومة إلى هذا الملف الإنسانى شديد الأهمية والخطورة، حتى لا يتحول 3 ملايين طفل «والإحصائية قابلة للزيادة» إلى قنابل موقوتة «لا تبقى ولا تذر».
الجريدة الرسمية