رئيس التحرير
عصام كامل

مصطفى محمود.. والاختيار الصعب

فيتو

مصطفى محمود يوسف طفل يبلغ من العمر 12 عاما، يقيم بقرية الحصة التابعة لمركز طوخ بمحافظة القليوبية، يعمل في ورشة للأخشاب.. ترى في عينيه نظرة رجل شهم وشجاع يخشى على أمه وأخويه.. ويأمل أن يعوض تعبها في الحياة.. لم يعش طفولته مثل باقى الأطفال لكنها تطارده في أحلامه كثيرا وتداعبه الكرة وصوت الملاهى فيصحو من نومه ليجد نفسه رب أسرة يحمل همومها وأكلها ومصدر رزقها.


في البداية يتحدث مصطفى عن طبيعة عمله قائلا: «أعمل عاملا في ورشة للأخشاب وأقوم بصنفرة الخشب وتلميع واستخدام الغراء للصقه وأحيانا أقفل الأثاث إلى السيارات التي تأتى لحمله من الورشة التي أعمل بها فما يطلبه «المعلم « منى أصنعه».

ويضيف: « لدى من الإخوة اثنان يوسف بالصف الثانى الابتدائى وسعيد بالصف الأول الابتدائى ووالدتى وهى مطلقة وأبى تركنى ولا أعرف سواها، وتعمل والدتى في أعمال الزراعة عند الناس فمن يكون لديه عمل في أرضه ولا يستطيع القيام به يستعين بها، وأنا أتألم كثيرا عندما أراها تتعب في العمل ولا أستطيع أن أصنع لها شيئا، خصوصا أنها تعمل منذ أذان الفجر حتى أذان المغرب وتتقاضى 30 جنيها يوميا عن طريق متعهد من القرية يقوم بجمع السيدات ويوصلهن ذهابا وعودة إلى مكان العمل».

وعن راتبه الذي يتقاضاه قال: «كنت في البداية لا أتقاضى أجرا لأننى ما زلت أتعلم وبمرور الوقت أصبح صاحب العمل يعطينى 50 جنيها أسبوعيا وهو مبلغ زهيد لا يكفى مصاريفي، لكن ماذا أفعل هذا هو العمل المتاح أمامي، وأنا أعرف أصدقاء لى يعملون دون مقابل لأن صاحب العمل يقول أنتم ما زلتم تتعلمون فحالى أفضل كثيرا، وأنا أعمل منذ العاشرة صباحا حتى أذان المغرب وبعدها أذهب للمنزل لكى أتناول الطعام وأعود مرة أخرى إلى العمل والرجوع يكون حسب طبيعة الشغل وحاجة العمل».

ويضيف:» قبل عملى في الأخشاب كنت أعمل مع والدتى في أعمال الزراعة، ولكنى لم أستطع العمل في الشمس الحارقة والساعات الطويلة من العمل المتواصل، وكثيرا ما كنت أمرض، ولذلك اتجهت للعمل في الورشة، لكن ذلك العمل منعنى من الاستمتاع بطفولتى، فأنا لا أستطيع أن ألعب جيدا ونفسى ألعب بالكورة وأروح الملاهى، ولكن الظروف تمنعنى وكل ما يهمنى بصفة أكبر هو أن أسعد والدتى وأسمع كلامها».

وحول ما إذا كان عمله يتعارض مع دراسته قال: «بالطبع نعم فأنا أعمل بعد المدرسة ولا أستطيع أن أواظب على الدروس لذلك درجاتى معظم الوقت غير جيدة وأنا غير راض عنها، فالجميع يعتمد على الدروس الخصوصية لأن المدرسين لا يهتمون بنا جيدا وكل المدرسين في المدرسة يعطون دروسا خصوصية ومعظم الوقت نتعثر في تدبير ثمن تلك الدروس».

ويضيف: « المنزل الذي نقيم فيه هو ميراث جدى لأمى وإخوتها لكن رأفة بنا يتركوننا نعيش فيه لأنه لا يوجد لنا أي مكان، ونحن نخاف كثيرا من الشقوق المتواجدة فيه وحيطانه المتهالكة، ونخشى أن يسقط علينا في أي وقت، ونحن بالكاد نستطيع توفير لقمة عيشنا، ومعظم الوقت أقضيه في الورشة وأحيانا نذهب إلى البيوت لأخذ المقاسات والبعض يطلب منا العمل داخل البيت».

ويقول مصطفى: « آخر مرة اشتريت فيها ملابس جديدة منذ ما يزيد على العام، ولم أستطع شراء ملابس جديدة في العيد، وفضلت أن يشترى شقيقاى لأنهما صغيران لكى يفرحا بالعيد فأعطانى صاحب العمل قميصا وبنطلونا من عنده لكى أقضى بهما العيد».
وحكى تفاصيل خناقات والده مع والدته قائلا: «كان والدى في خلاف دائم مع والدتى وهو من ميت حلفا التابعة لمركز قليوب وإذا قابلته في الشارع لن أعرفه، وأمى هي كل حياتي».

وعن أمنيته في المستقبل قال: « أتمنى أن أكون ضابط شرطة، حتى أستطيع أن أحمى والدتى وأعوضها هي وشقيقاى عن تعبها، وأتمنى من الله أن أستطيع تسفيرها لأداء فريضة الحج، كما أتمنى أن نستطيع أنا وشقيقاى أن نكمل تعليمنا، ونجد سكنا مناسبا يأوينا جميعا ونعوض أمى عن كل التعب والمشقة التي عانتها من أجلنا».
الجريدة الرسمية