«أزمة فارما» تفجر قضية إهمال قطاع الدواء الحكومي.. «القابضة للأدوية» تتولى إنتاج «محلول الجفاف».. «الحماقي»: القطاع العام يمتلك طاقات معطلة ينبغي استثمارها..
دقت أزمة مصنع المتحدون فارما، ناقوس الخطر بشأن شركات الدواء التابعة لقطاع الأعمال العام، فعلى الرغم مما تمتلك من إمكانيات هائلة تمكنها من إنتاج المستحضرات الطبية التي تطابق المواصفات العالمية نظرا لخضوعها لمنظومة رقابية حكومية محكمة.
جاء ذلك بعد سحب جميع مستحضرات مصنع «المتحدون فارما» الموجودة في السوق المحلى، وذلك بعد وفاة 6 أطفال، وإصابة 30 آخرين بأعراض تشنجية جراء استخدام مستحضر«محلول الجفاف» من إنتاج المصنع في علاجهم من أعراض نزلات معوية حادة، بمحافظة بني سويف.
وارجع البعض ما حدث إلى إهمال الدولة لقطاع الدواء الحكومي الذي يعاني الأمرين على الرغم مما لديه من موارد وإمكانيات، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام القطاع الخاص ليختلط الحابل بالنابل دون وجود رقابة حقيقية على الأسواق.
«القابضة للأدوية»
من ناحيته كشف الدكتور عادل عبد الحليم، رئيس الشركة القابضة للأدوية، إحدى الشركات القابضة التابعة لوزارة الاستثمار، عن تكليف وزارة الصحة للشركة بإنتاج الكمية المطلوبة من مستحضر محلول الجفاف.
وأضاف «عبد الحليم» في تصريحات خاصة، أن الشركة القابضة للأدوية تنتج 300 مليون محلول بأنواع مختلفة تغطي الشرق الأوسط، مؤكدا على قدرة الشركة على إنتاج الكميات التي طالبتها بها وزارة الصحة من المحلول، بل أكثر منها، ولكنها ملتزمة بالكمية المطلوبة منها.
وقال: «لن يحدث أي نقص في الأسواق، وبالتالي ليس هناك مبرر للقلق، خاصة أن إنتاج المحاليل جزء من إنتاج القابضة للأدوية»، منوها بأن القابضة دائما ما تتدخل بحكم الدور المنوط بها لحل مثل هذه الأزمات، وهي قادرة على ذلك.
تفعيل الرقابة
ونفى رئيس الشركة القابضة للأدوية، وجود أي عجز فيما يخص الإنتاج الدوائي للشركة، مشيرا إلى أن الدولة تفعل الرقابة على الأسواق، بدليل سحب المنتج بمجرد ارتباطه بعدد من حالات الإصابة للأطفال.
وذكر «عبد الحليم» أن شركة النصر للكيماويات الدوائية، إحدى الشركات التابعة، ستكون معنية بهذا الأمر، لافتا إلى أنها متخصصة في إنتاج المحاليل الطبية، كذلك إنتاج المستلزمات الطبية اللازمة لاستعمال تلك المحاليل.
طاقات معطلة
وفي السياق ذاته رحبت الدكتورة يمنى الحماقي، عضو مجلس إدارة الشركة القابضة للأدوية، إحدى شركات قطاع الأعمال، بسحب جميع مستحضرات مصنع المتحدون فارما من السوق المحلى، مؤكدة أن ما حدث رسالة تؤكد ضرورة التحرك نحو الاهتمام بقطاع الأعمال العام، إذ أن إهماله جزء لا يتجزء من أزمة الأدوية المغشوشة.
وتابعت بأن قطاع الأعمال العام يمتلك طاقات معطلة ينبغي استثمارها، خاصة أن القطاع يخضع لنظام رقابي محكم على عكس شركات القطاع الخاص، وبالتالي لا يمكن إهماله، مشيرة إلى أن الدولة دائما ما تلجأ في مثل هذه الأزمات، وهو ما يؤكد أن الشركة القابضة للأدوية لديها الإمكانيات وقادرة على تحمل المسئولية، فلماذا لا تقدم لها الدولة الدعم الكافي كخطوة نحو إصلاحها وإعادة هيكلتها بما يعود بالنفع على قطاع الدواء في مصر.
هيئة للرقابة على المستحضرات الطبية
وأكدت "الحماقي" على ضرورة إنشاء هيئة للرقابة على المستحضرات الطبية والغذائية، منوهة أن هناك قانون جاهز في هذا الشأن، ينبغي أن يخرج ويفعل في أسرع وقت ممكن نظرا لأهميته القصوى في تفعيل دور أجهزة الرقابة على الدواء، والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه إنتاج الأدوية المغشوشة، وكخطوة نحو تكاتف الأجهزة المؤسسية في الدولة لضمان مناخ سليم للأدوية ولصحة المواطن.
ولفتت عضو مجلس إدارة الشركة القابضة للأدوية، إلى أنه لا ينبغي أن ننتظر حدوث مثل هذه الأزمات لتفعيل الرقابة على صناعة الأدوية، مشيرة إلى أن مصر هي البلد الوحيد التي يباع فيها الدواء على الأرصفة.
وأضافت، أنه ينبغي الاتجاه لعقد اتفاقيات خارجية تمكن "القابضة للدواء" من توقيع صفقات للإنتاج للغير والتصدير لتحقيق عوائد تمكنها من زيادة العائد، وبالتالي دعم الأدوية الرئيسية للمستهلك والاتجاه نحو تحقيق إستراتيجية للتأمين الصحي الشامل، مؤكدة أن إعادة هيكلة قطاع الأعمال يقلل خسائر الشركات التابعة والتي تؤثر بدورها سلبا على مناخ الاقتصاد المصري بشكل عام.
عدم تأثر الأسواق
وأكد الدكتور محمود فؤاد، رئيس المركز المصري للحق في الدواء، إن سوق الدواء المصري لن يشهد أي تأثيرات جراء سحب مستحضرات مصنع المتحدون فارما من الأسواق، مبررا ذلك بأنه لديهم مصنعين قطاع خاص متخصصين في إنتاج نفس المستحضر، كذلك فإن الشركة القابضة للأدوية، إحدى شركات قطاع الأعمال العام لديها شركة تابعة متخصصة في إنتاج المحاليل، وبالتالي فليس هناك أي تخوفات من وجود نقص في المنتجات بالأسواق.
وأوضح في تصريحات خاصة لـ"فيتو"، أن شركتي القطاع الخاص السالفة الذكرة قادرة على الإنتاج بنفس الكميات، وكذلك الشركة التابعة لقطاع الأعمال العام تستطيع الإنتاج بكميات تفوق مصنع المتحدون فارما، منوها أن المصنع تسبب في إحداث كارثة بسبب تركيبته الخاطئة التي راح ضحيتها عدد من الأطفال ممن لا ذنب لهم.
79 ألف و300 عبوة
وأضاف رئيس المركز المصرى للحق في الدواء، أن الكمية المصرح للمصنع بإنتاجها هي 79 ألف و300 عبوة من المنتج، وهى التي تخضع للتحليل بمعرفة هيئة الرقابة للمستحضرات الدوائية بوزارة الصحة، بينما وجد أكثر من 300 ألف عبوة في منفذ واحد، ما يشير إلى أن المصنع قام بإنتاج كميات أكثر من المصرح له بها وهي غير خاضعة للرقابة الدوائية من قبل وزارة الصحة، الأمر الذي تسبب في حدوث فساد ما في تركيبة المستحضر.
وطالب فؤاد، بضرورة تفعيل الرقابة على مصانع الدواء، خاصة أثناء التشغيل والإنتاج وتفعيل دور التفتيش الصيدلي لتتطابق المستحضرات الطبية مع المواصفات العالمية، منوها أن بعض المصانع تنتج بعيدا عن أوقات العمل للهروب من الرقابة ومن ثم إنتاج مستحضرات بعيد عن إشراف وزارة الصحة.
وتابع بأن الأزمة لا يمكن اختزالها في فساد القطاع الخاص بسبب تراجع دور قطاع الأعمال العام، لأن الأمر أكبر من ذلك بكثير، فالدولة بحاجة ماسة لإنتاج الدواء سواء الحكومي أو الخاص شريطة تفعيل الرقابة على جميع المصانع، وإنتاج مستحضرات تتطابق مع المواصفات المتفق عليها عالميا بصرف النظر عن الجهة المنتجة.
خطأ في التركيب
ومن جانبه قال الخبير الصيدلي الدكتور وجدي جابر، الرئيس السابق لشركة الجمهورية للأدوية، إحدى الشركات التابعة للشركة القابضة للصناعات الدوائية، أن الأزمة الحالية لمصنع المتحدون فارما، لا علاقة لها بظاهرة غش الدواء، ولكنها متعلقة بخطأ في التركيب، كما انها ليست نتاج إهمال قطاع الدواء الحكومي كما يعتقد البعض.
غش الدواء
وأوضح أن الغش الدوائي يحدث في المستحضرات غالية الثمن، وليس مع محلول جفاف مثل الذي تم مصادرته في الأسواق المحلية، أو أي من الأدوية التي تنتجها شركات الدواء الحكومية، مؤكدا أن الشركات الدوائية المحترمة التابعة للقطاع الخاص والحاصلة على التراخيص من قبل وزارة الصحة لا يمكن لها الاتجاه بأي شكل من الأشكال لغش الدواء.
وتابع جابر بأن الشركات التي تتجه نحو غش المستحضرات الدوائية هي تلك التي تعمل تحت "بير السلم"، بدون تراخيص، وبالتالي لا تخصع لرقابة الدولة من خلال وزارة الصحة، وهو ما يستدعي تشديد الرقابة على الأسواق حتى لا تتكرر هذه الحوادث حفاظا على صحة المواطن المصري، محذرا من اتهام القطاع الخاص كله بالفساد نتيجة حوادث فردية.
وطالب الخبير الصيدلي بضرورة أن تقوم الصيدليات بشراء المستحضرات الطبية من المصادر المعلومة والموثوق بها، مع تفعيل التفتيش الصيدلي على الصيدليات بشكل دائم، خاصة أن شراء الأدوية المغشوشة يكون برغبة الصيادلة، طمعا من بعضهم في الحصول على الأدوية بأسعار مخفضة عن نظيرتها المرخصة من وزارة الصحة.
القطاع الخاص
وأوضح الدكتور وجدي أن الدولة تطرح مناقصة بما تحتاجه من كميات من مستحضرات طبية معينة ثم يتقدم كل من القطاع الخاص وقطاع الأعمال العام للمناقصة، وترسو المناقصة في نهاية الأمر على الجهة التي تطرح السعر المنافس، وبالتالي فمن غير المنطقي الربط بين تراجع أداء قطاع الأعمال العام وبين فساد القطاع الخاص، لأن الدولة بحاجة لإنتاج القطاعين للمستحضرات الطبية، ولا يمكن تعطيل قطاع لمصلحة الآخر، مع ضمان خضوع القطاعين للرقابة.
هذا وقد أصدر الدكتور عادل عدوى وزير الصحة قرارًا رقم 86 لسنة 2015 بضبط وتحريز وسحب كل ما يوجد بالسوق المحلي "صيدليات، مخازن، مستودعات"، خاصة وحكومية، من جميع مستحضرات مصنع المتحدون فارما، وذلك في بيان لمتابعة حادثة إصابة أطفال بأعراض تشنجية بعد استخدام مستحضر ميتاهايدريل الوريدى في علاجهم من أعراض نزلات معوية حادة.
وأعلنت وزارة الصحة ارتفاع عدد الأطفال المشتبه في إصابتهم إلى 30 طفلا بعد دخول ثلاث حالات إلى مستشفى الحميات ببنى سويف، وارتفاع عدد حالات الوفاة إلى أربع أطفال بعد وفاة طفلة بمستشفى بنى سويف الجامعى، وطفلتين بمستشفى حميات بنى سويف.