رئيس التحرير
عصام كامل

لكل أغنية لحن وحكاية


 فارس يواكيم متعدد الأوطان: لبنانى من أهل مصر يعيش فى ألمانيا. ومتعدد الآداب: كاتب مسرحى وإذاعى وناقد فنى وبارع فى كل الحالات. كتابه الأخير «حكايات الأغانى» (دار «رياض الريس» للنشر) متعة فى زمن حزين.


رحلة بحث مضنية فى جنائن القصيدة المغناة، وحكاية كل قصيدة ولماذا غنيت وماذا عدل فيها وماذا حذف منها وما القصائد التى تقرأ  فصحى وعامية معا؛ (يا ورد مين يشتريك).

بذل المؤلف جهدا مشهودا فى عالم لم يعد له وجود إلا فى الذكريات والحنين وأرشيف الإذاعات. عمالقة فى الغناء اختاروا القصائد من عمالقة فى الشعر، ومعا أقاموا ذلك العصر الذى كان عصر أحمد شوقى ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وعلى محمود طه والهادى آدم وأسمهان ورياض السنباطي والأخوين رحبانى وفيروز وكوكبة من معادن الذهب.

الذين يفضلون نانسى عجرم، التى بلغ عدد معجبيها على الـ«فيس بوك» أربعة ملايين شخص، لن يبلغوا شيئا فى «أطلال» إبراهيم ناجى، أو مناجاة أحمد رامى. ذلك زمن غنت فيه أم كلثوم «وفيتُ وفى بعض الوفاء مذلة / لغانية فى الحى شيمتها الغدر»، فمن يغنى اليوم شعر أبى فراس الحمدانى؟ أو هل ينصرف عشرون شاعرا إلى ترجمة رباعيات عمر الخيام، بينهم طبعا أحمد رامى وإبراهيم العريض وجميل صدقى الزهاوى؟ مَن كان يعدل فى شعر الخيام؟ الشاعرة أم كلثوم لم تغن الخمريات، لكنها تشذ عن ذلك مرة واحدة عندما غنت «هذه ليلتى» لجورج جرداق. كان عبد الوهاب قد طار ولعا بالقصيدة، فحملها إليها قائلا: يحق للشاعر ما لا يحق لسواه.

من أجل صوت محمد عبد الوهاب راح أمير الشعراء أحمد شوقى يكتب بالعامية المصرية: «بلبل حيران»، «أحب اشوفك كل يوم»، «الليل بدموعى جانى». لكن عبد الوهاب لحن أيضا ثلاثين قصيدة فصيحة لشوقى، منها «سلام من صبا بردى أرق / ودمع لا يكفكف يا دمشق»، وكأنها كتبت لهذه الأيام. أكثر الشعراء غناء كان أحمد رامى ونزار قبانى والأخطل الصغير. وذهب الأخوان رحبانى إلى الشعر القديم كما كتبا قصائد عمودية لفيروز، إضافة إلى ما كتباه من شعر عامى. لكنهما أخذا من سعيد عقل أكثر من سواه، فقد كان بالنسبة إليهما «مستشارا» كما كان أحمد رامى لأم كلثوم.

لكل قصيدة قصة. ولكل لحن قصة مع القصيدة. وقصة مع مغنيها وملحنها. وكل ذلك فى عالم هانئ كانت الأغنية فيه هى الحوار بين العاشقين، وكان هناك متسع من الوقت لدى الجميع؛ للشاعر العاشق والملحن العاشق والسامع الذى «استخفه الطرب». كيف تضع «النهر الخالد» على الـ«فيس بوك»؟
نقلاً عن الشرق الأوسط
الجريدة الرسمية