هل يتحرش الرجل بامرأة يحبها؟
هل يمكن أن يتحرش الرجل بامرأة يحبها؟ سؤال خطر على بالي وأنا أستمع لأغنية «أنا بستناك» الرائعة لنجاة، ساعتها تولد في ذهني سؤال آخر: هل يمكن لرجل أو شاب يستمع لأغاني نجاة أو أي من أغانينا التراثية الرائعة لأم كلثوم أو فايزة أحمد أو عبد الوهاب أو عبد الحليم أو غيرهم، هل يمكن لشاب أو رجل يستمع لهذه الأغاني ويرق قلبه لمعاني الحب فيها أن يتحرش بفتاة أو امرأة.
إجابتي بالطبع لا، يمكنني أن أخمن أن المتحرش غالبا ما يستمع لأغنية «هاتي بوسة يا بت»، أو «حط إيده»، أو غيرهما من أغاني المعنى الحسي المباشر التي تتعرض للجسد، والتي لا تعرف معنى أو قيمة المشاعر الإنسانية.
لكن الأكيد أننا، ورغم كل الازعاج عن ظاهرة التحرش، لم نقم بالدراسات الاجتماعية والنفسية الكافية عنه، فلا قمنا بعمل تحليل لشخصية المتحرش وتعرفنا عليه تعرفا نفسيا كاملا، خاصة العلاقة بين شخصية المتحرش وإمكانية الانحراف حتى الاغتصاب أو السرقة أو الجريمة المجتمعية، ولا قمنا بعمل دراسات لمن وقع تحت أسر التحرش، هل يمكن أن يمثل له ذلك مشكلة ويحتاج لدعم نفسي يقيه الوقوع في صراعات نفسية قد تجعل من الفتاة، أو الفتى، الذي وقع تحت تأثير التحرش شخصية تميل لجلد ذاتها أو للانحراف، لم نفعل ذلك لأننا بعامة لا نحب الدراسات ولا نؤمن بنتائجها، وألقينا الحمل كله، كالعادة، على وزارة الداخلية، وصفقنا بشدة لضرب المتحرش على قفاه، بل وصل الأمر بالبعض لإطلاق حملات «التحرش بالمتحرش».
عن نفسي أؤمن بأهمية ودور الدراسات النفسية والنقدية والمجتمعية، وهو نوع نفتقده كثيرا في مجتمعنا المصري، فلا الإعلام يأخذ به أو يساعد عليه أو يشجعه، رغم أننا نمتلك مؤسسات بحثية، رغم ضعف مواردها، لها دراسات مهمة، لكن من فكر في الاستعانة بها أو حثها، ولأن دائما ما تكون الحلول عندنا من نوعية العقوبة والضرب ولا نفكر في العلاج، أو في المساندة والدعم النفسي، فإننا وصلنا الآن لظاهرة تحرش جماعي، نعم فما قامت به المسلسلات الرمضانية طوال الفترة الماضية من أجساد عارية، والفاظ نابية وانحرافات علنية، أنا أعده نوع من التحرش الجماعي بنا، وبأطفالنا، وبما أن المسلسلات نفسها خلت أيضا من قيم الحب والمشاعر الجميلة فإنها تساعد بشكل أو بآخر، على التحرش.
أدرك أن ظاهرة التحرش ظاهرة معقدة، لها أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية أحيانا، وتشير إلى مقدار الخلل والتوتر الذي أصاب الشخصية المصرية في العقد الأخير، لكن مقولتي الختامية في وجه التحرش:
اعلوا من قيمة الحب والمشاعر الجميلة يقل التحرش، فمن يدري، ربما أصلحت أغنية جميلة، أو فيلم جيد، أو مسلسل راق، أو معزوفة موسيقية عذبة، حال إنسان لا يشعر من داخله إلا بالقبح والنقمة والضيق تجاه المجتمع.