رئيس التحرير
عصام كامل

على شفا الثقب الأسود


دعاة "أنا أولا"، "بلدي أولاً" و"كل طير معلق من عرقوبه"، يقعون فى سذاجة التناقض الذى يضر بصاحبه، ويرتكبون حماقة ترتد إلى نحورهم، الدليل قاطع دامغ: الأغلبية الساحقة من مشكلات كل دولة عربية على حدة، لا تجد لها حلولاً غير الحلول الجماعية. والأنكى هو أن المعضلات كلها من عظائم الأمور. فهل نتهم الجميع بالإصرار على عدم فهم الواضحات؟ مضحكات مبكيات.


من الماء إلى الماء لدينا لغة عربية واحدة، فهل تستطيع دولة واحدة الإقدام على تطويرها من دون التعاون والاتفاق مع الآخرين؟ هل تجرؤ دولة واحدة على التصرف فى الضاد على هواها بمعزل عن البقية؟ قس على ذلك التعريب، الذى هو ركيزة أساسية فى بنيان الهوية، والحفاظ على سيادة اللغة.

كيف تتسنى مقاربة التعريب بأكثر من عشرين طريقة فى لغة عربية واحدة؟

مسألة الأمن القومى تصل إلى العظم، لأنها تعني أولاً وأخيراً سلامة التراب والناس، الأرض ومن وما عليها وما تحت الثرى. ماهو البلد العربى الذى يمكن أن يستغنى عن امتدادات أمنه القومى إلى البلدان العربية الأخرى؟ هنا بالذات نكتشف مشكلة لغوية ساخرة بامتياز. فقد فقدت المفردات والمصطلحات معانيها. منذ عشرات السنين والمسئولون العرب يتحدثون عن مواجهة التحديات، فهل هم يعون ويعنون مايقولون؟ ما معنى التضامن العربى؟ والعمل العربى المشترك والدفاع العربى المشترك؟ لقد صار "المش ترك". كل ما يحدث ليس سوى نتيجة طبيعية لإهمال قضية الأمن القومى.

كم عدد الدول العربية التي تستطيع تحقيق تنمية شاملة بالاعتماد على نفسها؟ الدول الكبرى المتقدمة نفسها لا تستطيع ذلك، فما بالك بعالم عربى فيه ألوان من البطة العرجاء. والغريب المريب أن شعار أنا أولاً رفعته دول عربية اقتصاداتها نطيحة أو متردية، فى حين أن إغراق الأسواق العربية، وتعجيز الصناعات وسائر السلع عن المنافسة، هما نتيجة مكشوفة لمحدودية الإنتاج، وتدنى مستوى الجودة، وإلا فإن العالم العربي ليس سوق قرية. بحر من الاستهلاك، الذي سيؤدي إلى هلاك المنتجات العربية.


ماهو ال"إن جاز" الذى تستطيع شعارات الانعزالية، "أنا أولاً"، تحقيقه ضاربة بالتعاضد العربي عرض الحائط؟ رحمة الله على ألف أمس، فقد كان الجميع يركضون نحو الجميع فى الشدائد. اليوم أصبح بعض العرب أشداء على بعض، فى منحدر تاريخى يشبه الثقب الأسود.
لزوم ما يلزم: اللامبالاة أفضل وسيلة لمكافحة التشاؤم.

نقلاً عن الخليج الإماراتية.

الجريدة الرسمية