عيون وآذان (كل تغيير عربى...نحو الأسوأ)
«اليوم التالى» عبارة اشتهرت أيام الحرب الباردة، عندما قام خطر حرب نووية تدمر معظم العالم، وتبقى قلة من الناجين في اليوم التالي. وهناك فيلم مشهور يعود إلى 1983 عنوانه «اليوم التالى» وعشرات الكتب والأفلام الأخرى والبرامج التليفزيونية.
من دون حرب نووية أو أسلحة كيماوية موجودة، الحديث الآن هو عن اليوم التالى فى سوريا إذا سقط النظام أو سلّم السلطة باتفاق.
لا أجد سبباً للتفاؤل، فبعد صدام حسين تحول العراق إلى مستعمرة إيرانية، وفى مصر كل مشكلة شكا منها المواطنون أيام حسنى مبارك زادت أضعافاً مع محمد مرسى، وفى ليبيا ترك العقيد المجنون خمسة ملايين مسلح اقتسموا البلد أو قسّموه.
بكلام آخر، كل تغيير عربي منذ بدء الانقلابات العسكرية فى مصر وسوريا والعراق وغيرها كان نحو الأسوأ. ولا سبب منطقياً لنتوقع أن ينعكس التيار فى سوريا، فمع وجود معارضة وطنية شريفة، هناك حركات أصولية متطرفة وإرهاب، وقد وجدت نفسى لمرة نادرة فى حياتى أتفق مع الإدارة الامريكية فى رأى، فكتائب الصحوة منظمة إرهابية فعلاً (رأينا فيديو عن رجالها وهم يأمرون ولداً بضرب عنق أسير بالسيف).
إذا كان التغيير سيتحقق بأقل قدر من الأضرار فهو سيعتمد على شخصية الرجل (أو المرأة) الذى سيختاره المعارضون لقيادة العهد الجديد. الأسماء المطروحة كثيرة، وتضم وطنيين أستطيع أن أتكلم عنهم على أساس المعرفة الشخصية، وآخرين أعرف عنهم دون اتصال شخصي.
بين الأسماء المطروحة رياض حجاب، رئيس الوزراء السابق الذى انتقل إلى الأردن، ورياض سيف، نائب رئيس الائتلاف الوطنى، وهو يقيم بين قطر وألمانيا، وأسعد مصطفى، وزير الزراعة السابق المقيم فى الكويت، وسمير الشيشكلى، ابن أديب الشيشكلى، وهو خبير مالى مع الأمم المتحدة، ووليد الزعبى، وهو رجل أعمال سورى يقيم فى الإمارات العربية المتحدة. وأزيد من عندى السيدة بسمة قضمانى، فهى وطنية عالية القدرة.
يواجه السوريون المتداولة أسماؤهم لقيادة الفترة الانتقالية بعد النظام الحالى مشاكل عدة، أكتفى منها هنا بثلاث أراها الأهم: الأولى أنه لا يوجد إجماع أو شبه إجماع على أى مرشح، ما يعنى أن المعارض المختار لقيادة اليوم التالى سيواجه معارضة من الخاسرين، أفراداً أو أحزاباً أو تكتلات. والثانية أن كلاً من المرشحين لا يملك قاعدة شعبية تدعمه وتساعده على إصدار قرارات مؤلمة فى المرحلة الانتقالية. بالمقارنة، الرئيس محمد مرسى يستطيع أن يعتمد على ولاء نصف المصريين، أخطأ أو أصاب. الثالثة، أن سوريا بعد حرب أهلية مدمرة تحتاج إلى دعم خارجى عربى ودولى، غير أن الدول التى تؤيد الثوار السوريين الآن لا تعمل كفريق واحد، وإنما هناك تنافس واضح بينها، والرجل المختار لقيادة سوريا بعد بشار الأسد قد يجد دولاً تؤيده، إلا أنه حتماً سيجد معارضة من دول أخرى كانت تفضل أن يتسلم المنصب أحد أنصارها فى سوريا.
اليوم التالى فى سوريا لن يكون فى سوء الدمار بعد حرب نووية إلا أننا نرى التدمير فى حلب، واسطة العقد بين مدن الشرق الأوسط كلها، ونخشى دماراً مماثلاً فى دمشق، أقدم مدن العالم، ولا نملك إلا أن نتذكر تلك الأفلام والبرامج عن اليوم التالى لحرب نووية.
الدمار فى دمشق بدأ من مخيم اليرموك، وهو اسم مضلِّل، فالمخيم من دون خيام، أعرفه جيداً وأراه من نوع حى للطبقة الوسطى. وكان بناؤه فى الأصل خارج دمشق لكن مع توسع العمران أصبح جزءاً من العاصمة يسكنه لاجئون فلسطينيون ومواطنون سوريون.
سوريا حافظ الأسد وبعده بشار الأسد بَنَت رصيدها العربى على الممانعة وتحرير فلسطين، وانتهينا بالنظام يخوض حرباً أهلية، وفق تقرير للأمم المتحدة، ويدمر مخيماً ويُرغم أهله على هجرة ثانية.
النظام لا يزال يتحدث عن مؤامرات خارجية، وعن الصهيونية والاستعمار، وإرهاب وأصوليين، وكل هذا موجود، إلا أن النظام مسئول قبل الجميع، وهو سهَّل على أعدائه مهمتهم، فأصبح الحديث الطاغى عن اليوم التالى.
نقلاً عن الحياة اللندنية