الجامعات وإيرادات ضائعة
بعد ظهور نتيجة الثانوية العامة، يتجه أولياء الأمور إلى البحث عن الجامعات الخاصة التي تصل مصروفاتها إلى 70 ألف جنيه، بخلاف الباص والكتب والتأمين.
دوامة كبيرة بين ما تسمح به هذه الجامعات من قبول أو رفض الطلبة، وفي ظل جمود غير عادي من الدولة نحو التغيير، فإذا كان هناك فرص لتعليم الطلبة بالمصروفات، فمن الأولى أن تقوم الجامعات الحكومية بعمل أقسام بالمصروفات؛ حتى لا تضيع على الدولة كل النفقات التي يدفعها الأهالي إلى الجامعات الخاصة، والأولى أن تستفيد منها الدولة والتكاليف الثابتة عليها أقل؛ حيث إن جامعاتها موجودة، ويمكنها استيعاب عدد أكبر حتى إن قامت بإنشاءات جديدة فالإيراد مؤكد.
إلا أن الجمود ما زال واضحا في عدم دخول الدولة في المنافسة على سوق التعليم، وتتركه للقطاع الخاص الذي يغالي في المصروفات، ويصبح الأهالي بين المطرقة والسندان، إما أن يرضوا بالمصروفات الباهظة لعدم وجود عدد من الجامعات يتزايد بمعدلات تناسب الزيادة السكانية، أو يرضون أن يوجهوا أبناءهم إلى كليات أخرى تناسب مجموعهم وهم لا يريدون الدراسة فيها؛ لتخرج لنا موظفين فاشلين في أعمالهم التي لم يريدوها من الأساس، بل كانوا مسيرين لا مخيرين في اتجاهاتهم.
ذنبهم الأوحد أن التنسيق لم يلحقهم به، وإن كان لدى الدولة من الجامعات ما يستوعب هؤلاء، لعفى ذلك الأهالي من الدخول إلى سوق التعليم الخاص.
أتذكر في سنة 1988 حين كنت في الثانوية العامة، كان لي زميل حصل على 65%، وكان والده من أساتذة كلية الطب، وكان تنسيق كلية الطب آنذاك 80%؛ حيث سافر إلى رومانيا لدراسة سنة واحدة بتكلفة قدرها 25000 جنيه مصري في كلية الطب، ثم عاد إلى مصر وأتم تعليمه في الكلية بامتياز، ثم تدرج في الدرجات العلمية حتى وصل إلى درجة الأستاذية الآن.
ومنذ ذلك التاريخ إلى الآن، أرى الجمود في اتخاذ إجراء يهدف إلى تحصيل الدولة ما يضيع منها سنويا، إما من اتجاه الأهالي إلى التعليم الخاص أو سفر أبنائنا إلى الخارج ثم التحويل مرة أخرى، وللأسف نحن نعلم ذلك، إلا أنه للأسف أيضا لا نقوم بأي إجراء بل نتقبل أن نترك سوق التعليم إلى القطاع الخاص، ولا ننافس فيه بل نترك الأهالي فريسة له.
في النهاية علينا أن نشارك القطاع الخاص في سوق التعليم ولا نتركه بهذه الطريقة، التي جعلت الدولة على الهامش المجاني، وتركت السوق المربح إلى القطاع الخاص، وأضاعت عليها - برضاها - أموالا طائلة كان يمكن استغلالها في إصلاح التعليم في مصر.