«السيسي».. و«الأوباش»!
وتسألني عن المسئول في بلادي، سأخبرك بأنه ضمير «مستتر»، تقديره «مهمل»، «متكاسل»، «متخاذل»، «متواطئ»، «متورط» في الكوارث والمصائب التي تحل على رءوس العباد.. ولا يجيد أية أدوار إلا «النصب» على المواطنين، و«جرهم» إلى الآخرة، غير مأسوف عليهم.
المسئولون في بلادنا- إلا من رحم ربي- شركاء في كارثة غرق مركب الوراق، الذي راح ضحيته 43 شهيدًا.. متورطون في توريد محلول فاسد لمعالجة الجفاف، الذي نتج عنه وفاة أطفال في مستشفيات بني سويف.. متواطئون- بطريقة أو بأخرى- في وفاة 25 مصريًا في احتراق مصنع بالعبور.
هذه الحوادث وغيرها الكثير تمر مرور الكرام على المسئولين، الذين يغطون في سبات عميق، مستريحي البال، مطمئنين إلى نجاح خطتهم في «تنظيم النسل»، والتخلص من «الأوباش»، الذين يعكرون عليهم صفو منصبهم.. تاركين أهالي المتوفين والمصابين يتجرعون مرارة «الإهمال والفساد»، وانعدام الضمير.
المسئول عندنا يحارب كل شيء، إلا الفساد.. يصاحب كل شيء، إلا النجاح.. يجيد أي شيء، إلا العمل الجاد.. يبهرك بأروع الكلمات، إلا أن يقول الصدق.. سريع في التحرك نحو أي شيء، إلا لنجدة مظلوم، أو غوث لهفان.
المسئول عندنا كجسدٍ بلا عقل، لا يتقدم ولا يتأخر إلا إذا صدر له الإذن من صاحبه.. يعتبر التفكير في المستقبل «رجس من عمل الشيطان»، والتنفيذ دون توجيه رؤسائه «خطيئة لا تغتفر».. ولا عجب في ذلك.. فالمسئول الجديد عن «النقل النهري»، صرح لوسائل الإعلام- عقب كارثة مركب الوراق- أنه «بدأ تنفيذ توجيهات رئيس الوزراء بالتفتيش على المراكب النيلية، والتأكد من سلامتها».
قد يكون سيادته يقصد «سلامتها أم حسن»!.. فكما تعلمنا من «المزجانجي» أن «التسليك قبل الفتح»، وليس بعده.. والتفتيش بعد «الكارثة» لن يعيد الأموات إلى ذويهم.
ثم، مَنْ قال لك يا سيادة المسئول إن القيام بمهامك يتطلب توجيهًا من رئيس الوزراء؟ إخص.. إخص وألف إخص عليك وعلى المسئول الآخر الذي صرح بأنه «جار فحص ترخيص مصنع العبور، الذي أسفر عن احتراقه وفاة 25 عاملًا، وإصابة 25 آخرين».
يا دين النبي يا ولاد.. الناس غرقت، واتحرقت، وادفنت، وإحنا لسه هنفحص أوراق الترخيص! حسبي الله ونعم الوكيل.. طيب.. أين كنتم قبل وقوع الكوارث؟
قد تسألني: لماذا توجه حديثك إلى المسئول «الأدنى»، وتترك المسئول «الأعلى»؟.. عندك حق.. فـ«مخاطبة الصغار جلبت لنا العار».. لذا سأوجه حديثى، ليس لرئيس الوزراء «المغلوب على أمره»، ولكن لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، الذي اخترناه، وراهنا عليه، ولا نزال نراهن، ولكن- والحق يُقال- ليس بدرجة رهاننا عليه قبل توليه مهام منصبه.
سيادة الرئيس.. شاء قدرك أن تجمع بين السلطتين «التنفيذية» و«التشريعية»، وأنت الآن لسان حال الشعب، في غياب مجلس النواب.. فأين أنت مما يحدث في مصر؟ أين أنت من هذه الكوارث؟ أين توجيهاتك، التي لا تنفذ؟ أين تعليماتك، التي يتم «تطنيشها»؟ أين قراراتك الجريئة؟ أين محاسبتك للفاسدين، والمهملين والمتقاعسين، والمتورطين، والمتواطئين؟.
سيادة الرئيس.. هل تعلم أن عدد ضحايا مركب الوراق، ومصنع العبور، وغيرهما، أكثر من الضحايا الذين فقدناهم في حربنا ضد الإرهاب؟ نعم.. ضحايا الإهمال والفساد أكثر من ضحايا الإرهاب، الذي نسخر كافة إمكانات وجهود الدولة لمحاربته ومكافحته.. فهلا تثلج صدورنا بقرارات إقالة ومحاسبة المسئولين مسئولية مباشرة وغير مباشرة عن هذه الكوارث، ابتداء برئيس الوزراء، والوزراء المختصين، ورؤساء الأحياء النائمين، ومعاونيهم المتورطين؛ ليكونوا عبرة لغيرهم؛ ولنستعيد ثقتنا الكاملة فيكم.
سيادة الرئيس.. لقد اخترناك أنت.. وهؤلاء المسئولون لم نخترهم.. وإنما هم من اختيارك، واختيار رجالك الذين جئت بهم لمساعدتك على أداء مهمتك الثقيلة.. وإذا كنا صبرنا عليهم، فـ«عشان خاطرك أنت»، فلتعلم سيادتك أن لـ«الصبر حدود».. فنحن لسنا «أنبياء أيوبيين»، وأملنا فيكم أن تصلحوا ما أفسده غيركم، وإلا فلتحذروا موجة غضب لن تطالب بإقالة الفاسدين والمهملين فقط.. بل ستطالب بإسقاطكم أيضا.
سيادة الرئيس.. عندما غرقت «عبارة السلام»، واحترق «قطار الصعيد» في عهد «مبارك»، و«قطار أسيوط» في عهد «مرسي»، حملَّناهما المسئولية، وطالبناهما بالاعتذار للمصريين.. وها هي الحوادث تتوالى، ونحن نحملك المسئولية أمام الله، ثم أمام شعبك.. ونعلم أنكم تمتلكون من الشجاعة ما يجعلكم تتقدمون بخالص الاعتذار للشعب.. وهذا أضعف الإيمان.
سيادة الرئيس.. يقولون في المثل الشعبي: «عدوك يتمنى لك الغلط، وحبيبك يبلع لك الزلط»، ونحن بلعنا من الزلط ما يكفي لبناء ألف عاصمة إدارية جديدة.. وكنا نأمل من سيادتكم أن «تعزينا» في أولادنا.. وتشاطرنا أحزاننا.. وتهون علينا مصائبنا.. بمجرد كلمة تقولها، حتى ولو من وراء ظهرك، وحتى لو تعارضت مع بروتوكولات الرئاسة.. وتأكد يا سيادة الرئيس، أننا لن نطلب منكم إعلان الحداد الرسمي في الدولة.. فالحياة علمتنا أن الناس ليسوا سواسية كأسنان المشط، حتى في الموت!
دعك من كل هذا وذاك يا سيادة الرئيس.. وتذكر أن الذين لقوا مصرعهم، هم وأهلهم، كانوا أول الجحافل الذين يتم حشدهم في الميادين والشوارع؛ ليهتفوا باسمك.. ولو استمر معدل حكومتك في إزهاق الأرواح بهذا الشكل، دون عقاب رادع.. فلن تجد من يهتف لك: «بالروح والدم نفديك يا سيسي»، بل إن المتبقين منهم على قيد الحياة سيقولون في أنفسهم: «منك لله».. وإذا زادت آلامهم وأوجاعهم، فلن يخرجوا مرة أخرى ليقولوا: «فوضناك»، ولكن: «فوضنا أمرنا لله فيك»!