رئيس التحرير
عصام كامل

الهروب إلى الفوضى!


المشهد العام فى مصر الآن، ولشهور يعلمها الله، هو الفوضى العارمة، معنى الفوضى الوحيد هو الخراب المؤكد. لا عمل.. لا هدوء.. لا سياحة.. لا إنتاج.. لا حياة.. المصريون ينتحرون، المصريون ينحرون مصر بدعوى حبها والفناء فيها، هم يفنونها ويقبرونها، هى الفتنة بلا منازع!

يتفرج على مشهد الخراب رئيس الدولة، يتابعها رئيس الحكومة، على أساس أنها أحداث تجرى على أرض الصومال! يوم السبت، الذى توقع فيه الناس نذر يوم القيامة، بدا يومًا عاديًّا حتى بعد إعلان الأحكام، دام الهدوء حوالى الساعة إلا قليلا، كانت كافية ليدرك بتوع الألتراس أنه لا يوجد إعدام فيما صدر من أحكام تخص ضباط الشرطة المتهمين فى مجزرة الاستاد، أحكام الإعدام التى صدرت فى 26 يناير الماضى أعجبتهم!

أحكام البراءة والسجن المؤبد والسجن 15 سنة فى 9 مارس لم تعجبهم! كأنما القاضى مخلوق لتوصيل الطلبات والأحكام للمنازل، كيف يستقيم أن نقبل حكمًا بالإعدام من القاضى، ولا نقبل منه، هو نفسه، حكمًا بالبراءة؟! القاضى يمثل إرادة الحق فى النطق بأحكام الحق، وهو لن يحكم ليحصل على تصفيق الجموع الحاشدة الهادرة بدعوات الانتقام، إن ضمير القاضى ليس ضمير القطيع، أيضًا ضمير الشخص الفرد وعقله مختلفان كلية عن ضمير وعقل الكتلة التى تسوقه بلا وعى ولا هوادة، الحق إنها غالبًا كتلة بلا عقل أو عاقل! لا تسوق أفرادها فقط متدافعين مهتاجين فحسب، بل تسوق بقية عناصر المجتمع إلى "موقف ضرورة رد الفعل".

لقد لاحظ الناس بعين الأسى والأسف، بل الغيظ والاستهجان، ملصقات للألتراس مستفزة ومهينة، تصف رجال الداخلية بالبلطجة، وتنسبهم إلى أسماء حيوانات، فضلا عن تهديدات بالتخريب والتحطيم، فى خطاب إرهابى يصعب إسناده إلى شباب يستدعى العدالة ويطلب إحقاق الحقوق، إن دماء الـ 72 شهيدًا فى مجزرة استاد النادى المصرى لا يجوز أن يسدد فاتورتها أبرياء، يسدد الثمن كاملًا وفادحًا من ثبتت إدانته النهائية، ألتراس الأهلى وغير الأهلى وأى متطرف آخر يفقد تعاطف الناس حين يعتبرهم جميعًا مدينين له بغير وجه حق، حين يحرق المتطرفون - معنى الألتراس- نادى الشرطة، فإنهم يحرقون أموال الناس وقلوبهم لا الشرطة! حين يحرقون اتحاد الكرة وتنهب محتوياته، فإنهم يعاقبونك ويعاقبوننى. حين يصدر الألتراس بيانًا يتوعد بالخراب والانتقام وأخذ القانون بالذراع، فنحن لسنا بإزاء دعاة حق، بل نحن تواجهنا جماعة إرهاب تتخذ من الحق ستارًا.. وهى فى هذا المنحى تقف فى الخندق ذاته لجماعات اليمين الدينى المتطرف. كلاهما سواء وسواد!

تعيش مصر هذا الكابوس الثقيل منذ 26 يناير الماضى حتى اليوم، باتت تواريخ أيامنا تواريخ أعاصير وإنذارات، قضية الكل فيها خاسر، ولن يُرضى قاضٍ أحدًا قط إلا الله الواحد الأحد، علينا أن نقبل الحكم أو نطعن عليه، وما سينتهى إليه النقض هو قضاء القدر المسطور على من جرى عليه الحدث الدامى داخل الاستاد، أو داخل قفص الاتهام، أو فى كل بيت مصرى، المثير المؤلم هو غياب الرئيس من المشهد كاملا، والشعور العام لدى المصريين هو شعور ركاب السفينة "تيتانيك" وهى تميل لتغرق! الغرق لن يستثنى القبطان ولا الفرقة الموسيقية، ولا الاستشارية ولا الإنقاذية.
أعجب كيف يغمض للرئيس جفنه وهو ممدد فوق أمواج الفوضى وإهدار الدساتير والقوانين!

الجريدة الرسمية