رئيس التحرير
عصام كامل

مصر بين مبارك الفاسد ومرسى الصالح 1-2



حينما تولى مبارك حكم مصر كنت فى الإعدادية، ثم حصلت على الثانوية وتخرجت فى الجامعة، وأدّيت التجنيد، ثم خمس سنوات بحثًا عن عمل، ثم العمل لمدة 17 سنة، وكنت فاقدًا للأمل فى أن يرحل مبارك، بل كنت أظن أننى سوف أموت قبل أن يأتى اليوم الذى أشاهد فيه حاكمًا آخر لمصر غير مبارك أو نجله، ويوم تنحيه كانت سعادتى لا توصف، وقُلت فى إحدى القنوات الفضائية: إن هواء مصر اليوم نظيف، وكل شىء فيها جميل، إنها تُولد من جديد، وأعتقد أننى لن أكتب مرة أخرى؛ لأن مصر سوف تكون أفضل، ولكن مع سوء الأوضاع كتبت وقلت: لا تجعلوا الشعب يندم على أيام مبارك، ولا تجعلوه بطلًا قوميًّا. ولكن للأسف.. ما تشهده مصر الآن سوف يؤدى إلى هذه النتيجة؛ فقد استوقفتنى أمس عبارة كتبها سائق تاكسى على سيارته تقول: "وحشتنى قوى يا بابا حسنى"، وحينما سألته: لماذا كتبت ذلك؟ قال: "هم كانوا حرامية، ولكن كنا عايشين بجوارهم". أهل الحكم مشغولون بالكلام عن فساد النظام السابق والتركة الثقيلة أكثر من اهتمامهم بالعمل والإنتاج، هى فعلا تركة ثقيلة مليئة بالفساد، ولهذا قامت الثورة، وهم كانوا يعلمون ذلك ونحن أيضًا، ولكن هنا يجب أن نتحدث بأمانة وصراحة، إنهم لم يستلموا دولة خربة أو منهارة، بل أكاد أجزم أن د. مرسى استلم مصر وهى أفضل بكثير مما استلمها مبارك من الرئيس السادات، فقد كانت سيناء تحت الاحتلال الإسرائيلى، وفى ظروف صعبة حيث مقتل رئيسها، وكانت على حافة الانهيار بسبب التطرف والإرهاب، وعدد سكانها أربعين مليونًا، ولم يكن لديها أى احتياطى نقدى، ولا بنية أساسية، وكانت شوارع العاصمة طافحة بالمجارى، وسوف أضرب مثلا بقريتى الصغيرة فى محافظة الدقهلية، فلم يكن فيها لا مياه ولا كهرباء ولا صرف صحى، وكانت معظم منازلها بالطين، وأهلها تحت خط الفقر، ونسبة التعليم متدنية، وكنا نؤدى امتحان الابتدائى فى قرية أخرى أكبر، ونقطع مسافة 30 كيلومترًا لإجراء مكالمة للقاهرة، أو إرسال خطاب بالبريد، وعندما رحل مبارك فى فبراير 2011 كانت شوارع القرية مرصوفة، وبعض المنازل بها خمسة أجهزة تكييف، وبها مجمع مدارس ومعاهد، ومركز طبى، ومكتب بريد، والعشرات من أبنائها حاصلين على درجة الدكتوراه فى مختلف المجالات، وتتمتع بخدمات ومرافق مثل المدن الكبرى، هذا على مستوى القرية الصغيرة، ولن أتحدث عن التطوير الكبير الذى شهدته مصر على جميع المستويات بعد تضاعف عدد سكانها، رغم كل الفساد الذى كان موجودًا، ورغم أن ثلاثين عامًا كانت كفيلة لأن تجعل مصر من أفضل دول العالم، ورغم انتشار الظلم والفقر والجهل والمرض؛ فإن مبارك الفاسد تنحى ومعدل التنمية 7%، والاحتياطى النقدى 36 مليار دولار، وهو الرصيد الذى حمى مصر منذ الثورة حتى الآن، هكذا استلم مبارك الفاسد البلد، وهكذا سلمه إلى مرسى الصالح، ماذا كان يجب على مرسى أن يفعل؟ هذا ما سوف نتناوله الأسبوع المقبل إن شاء الله.

egypt1967@yahoo.com
الجريدة الرسمية