رئيس التحرير
عصام كامل

تمخضت الحكومة فولدت «فأرًا»!


اجتماعات مطولة على مدى ثلاثة أيام عقدها المهندس إبراهيم محلب رئيس الحكومة مع عدد من الوزراء لدراسة تداعيات حادث مصرع ما يقرب من أربعين مواطنا في حادث غرق مركب بمجري النيل بالوراق وكيفية تلافي وقوع مثل هذا الحادث.


في البداية قرر رئيس الوزراء إبعاد كل من رئيس هيئة السلامة النهرية ومدير شرطة المسطحات المائية من منصبيهما مؤقتا لحين انتهاء التحقيقات، ثم أعقبت اجتماعاتها بتسعة قرارات، يمكن أن أقول بأقل العبارات قسوة، إنها قرارات للاستهلاك المحلي أو لمخاطبة الإعلام فقط، فقد تضمنت كل المحاذير والنواهي، من نوعية منع الملاحة النهرية ليلا وضرورة مراجعة التراخيص الخاصة بالمعديات والمراسي والمراكب النيلية وضرورة ارتداء العاملين على تلك المراكب ملابس الإنقاذ... إلخ، وكل هذه القرارات من المفترض أن تكون متوفرة ومتبعة بكل الحسم والحزم، ولو كانت كذلك ما وقعت كارثة غرق مركب الوراق، والتي وللأسف الشديد ستتكرر طالما استمرت الأوضاع على هذه الحال!

مهم جدا أن أشير إلى أن المقصد من تناول هذا الموضوع ليس إهالة التراب على كل ما يفعله رئيس الوزراء، فالرجل على الأقل هو وعدد محدود جدا جدا من الوزراء يسعون إلى إرضاء المولي عز وجل فيما يفعلون، وأشير أيضا إلى أنني لو كنت مكان المهندس محلب لعدت خطوة للوراء والتفكر بواقعية للتوصل إلى تشخيص سليم أولا للأزمة، ما يتيح وضع حلول واقعية وليست كلاما في الهواء.

يا معالي رئيس الحكومة أطمئنك منذ الآن أن القرارات التسعة التي اتخذها مجلس الوزراء لن تنفذ، ليس لأن هناك أحد لا يحترم قرارات الوزارة أو لأن هناك طابورا خامسا يسعي لإفساد مساعي وجهود الحكومة، لا هذا ولا ذاك فهذه القرارات لن تنفذ لسبب بسيط جدا، هو أن الأجهزة المعنية بمراقبة النيل والمعديات والمراكب والملاحة النهرية لا تملك القدرات الفنية والبشرية القادرة على تحقيق الانضباط الكامل لاستخدام مجري النيل، وعليك يا رئيس الحكومة أن تطلب تقارير مفصلة عاجلة من وزراء الموارد المائية والنقل البحري والداخلية وأجهزة الحكم المحلي في المحافظات عن حجم وقوة الأجهزة التي تتبعهم وتعني برقابة وضمان سلامة مجري النيل، أطمأنك من الآن أن كل تلك الأجهزة لا تستطيع القيام بمهامها على خير وجه.

يا معالي رئيس الحكومة، إن مجري النيل داخل الأراضي المصرية من أول نقطة في جنوب البلاد إلى آخر نقطة في الشمال، يبلغ طوله أكثر من ١٥٠٠ كيلو متر، أجزم بأن الأجهزة المكلفة بحماية مجري النيل ورقابته ليس لديها بيان تفصيلي بما يتضمنه مسار النيل من مراسي ومعديات وليس لديها بيان تفصيلي بحجم الملاحة النهرية وبعدد ونوعية المراكب والمعدات والصنادل وغيرها التي تعبر مجري النيل ليلا ونهارا.

أجزم بأن الأجهزة المحلية ليس لديها حصر كامل بالمناطق التي يقسمها النيل جغرافيا إلى أكثر من جزء ومع الزيادات السكانية المتوالية، لجأ الناس للسكن والإقامة حول النهر، شرقا وغربا، وابتكروا قصة العبور بين أماكن العمل والإقامة باستخدام المعديات الأهلية التي لا تعرف الحكومة عنها أي شىء، ويديرها ويشرف عليها ناس عاديون يتكسبون من وراء احتياج العابرين للتنقل بين أجزاء النيل.. هذه المعديات لا تتبع فيها لا قواعد سلامة ولا يحزنون، حتى المعديات الرسمية ليست أسعد حالا !

يا معالي دولة رئيس الحكومة.. سياسة "والنبي إديك معايا، وإنشاء الله كلوا هايبقي تمام".. لا تصلح في كل الأحوال!.
الجريدة الرسمية