رئيس التحرير
عصام كامل

حكومة «دفع الدية».. أقيلوها أو اقتلونا.. مجلس الوزراء يتحرك بعد 48 ساعة من واقعة غرق «مركب الوراق» و60 ألف جنيه لأسر الضحايا.. الرئاسة «لا تعليق» والداخلية ترفض استكمال ع

فيتو

60 دولارا أنهت مستقبل وزيرة سويدية.. و«التقصير» أخرج «المجالى» من «داخلية الأردن» و40 قتيلا أوقفوا رئيس هيئة عن العمل في مصر.
لجنة لـ «تطوير الأداء» أحدث قرارات رئيس الحكومة.. ووزيرة التضامن تتولى مهمة «الطبطبة». 


منتصف مايو الماضى خرج وزير الداخلية الأدرنى السابق، حسين المجالى، ليعلن استقالته من منصبه الحكومى، وأرجع رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور استقالة وزير داخليته "بسبب تقصير إدارة المنظومة الأمنية المتمثلة بالأمن العام وقوات الدرك في التنسيق فيما بينهما في قضايا تمس أمن المواطن واستقراره، والتي لم تتم معالجتها بالمستوى المطلوب".

وفى الأسبوع الأخير من أبريل الماضى، تناقلت وسائل الإعلام خبر مفاده أن «الوزيرة السويدية مانا سالين» اضطرت إلى تقديم استقالتها مؤخرا بعد أن أدانها القضاء السويدي بملء خزان سيارتها الخاصة بالبنزين على حساب الدولة مستخدمة كارت صرف ممنوح لها من الحكومة وبقيمة لم تزد على 60 دولارا .

ورغم أن الوزيرة تذرعت بنسيانها لبطاقتها الخاصة في البيت واضطرارها لاستخدام الحكومية لمرة واحدة، كما أثبتت أنها أعادت المبلغ في اليوم التالي، إلا أن القانون السويدي اعتبر هذا التصرف استغلالا للمال العام مما دفع الوزيرة إلى تقديم استقالتها فورا.

على الجانب الآخر.. وتحديدا في مصر.. كم جثة تلزم كى تصدر الحكومة المصرية قرارا بإقالة أحد من أعضائها؟.. وما عدد الكوارث التي يجب أن يصنعها المسئول في مصر حتى تتم معاقبته بالقانون وعزله من منصبه بالقانون أيضا؟.. وهل هناك من يمتلك الشجاعة الكافية لكى يمنح واحدا من الكبار "كارتا أحمر" يخرجه بشكل نهائى من الملعب السياسي والمنصب الحكومى؟
الرغبة في الحصول على إجابة حقيقية للأسئلة السابقة فيما يخص الواقع المصري من شأنها أن تزيد الأمور سوءا.. فالضحايا لا يمنحون المسئول عن مقتلهم استمارة 6.. والموتى لا أحد يتابع سيناريو موتهم ويطالب بـ «رقبة المسئول».. لأن الحقيقة الوحيدة التي تظهر في مشهد نهاية كل كارثة هي "عودوا لمقاعدكم".

محاولة اختصار الأمر السابق في كارثة غرق مركب "الوراق".. ستكون ظالمة لكل الأطراف، فحكومة المهندس إبراهيم محلب، من البداية أكدت أنها حكومة "حرب"... وفى الحروب دائما هناك ضحايا، لا يهم الجانب الذي سيتكبد الخسارة، فـ «الموت لا يفرق بين المؤيد والمعارض"، وحكومة المهندس إبراهيم محلب، لديها ما هو أهم من التحرك لإنقاذ الضحايا، لديها ما يبرر الساعات الثلاث الفاصلة بين غرق المركب، وتحرك أول فريق إنقاذ تولى مهمة "جمع الجثث".

الكوارث، رغم أن البعض يحاول أن يضعها في سياق "الحرب على الإرهاب"، إلا أن هذه المرة ستفلت منهم الأمور، لأنه، وبشهادة الشهود "الإرهاب بريء"، فلم تنفجر عبوة بدائية الصنع في المركب، ولم تعترض سيارة مفخخة خط سير الشهداء الذين كانوا يبحثون عن المتعة "وسط النيل"، ولم تستطع أجهزة الأمن ربط تنظيم "أنصار بيت المقدس" بـ «الصندل" الذي اصدم به المركب المنكوب، كما أن تنظيم الدولة "داعش" لم يعلن حتى وقتنا الحالى مسئوليته عن الحادث.. إذن الإرهاب بريء.

أعداد القتلى..المؤشر في الطالع
ساعات قليلة بعد التأكد من واقعة غرق المركب، الذي كان يحمل على متنه أكثر من 35 شخصا، وبدأت بورصة أعداد الموتى، وسائل الإعلام تتحدث عن 17 غريقا، وزارة الصحة من جانبها التزمت الصمت، القنوات الفضائية بدأت «مزاد الغرقى»، أصبح العدد 19، ووزارة الصحة خرجت بدورها لتشارك، لكنها أكدت أن العدد لم يتجاوز الـ 15 غريقا، صمت الجميع، وتوقف الأمر عند الـ 19 عدة ساعات، ففرق الإنقاذ وصلت مكان الحادث، عدد من المسئولين، قرروا عدم الانتقال لمكان الواقعة، واكتفوا بـ «التصريح الإعلامي»، ومتابعة الوضع بعيدا عن "أرض الجريمة.

وزير الصحة، اتضح أنه كان يتابع الأمر من مكتبه، حيث صرح المتحدث الرسمي باسمه بأن العدوي يتابع تطورات الأوضاع بشأن انتشال ضحايا مركب التنزه الغارق بمنطقة الوراق بالنيل، وذلك بغرفة الأزمات بالوزارة"، أما وزارة الداخلية، فكانت الأنشط، حيث تمكنت بعد ساعات قليلة من التعرف على هوية صاحب "المركب الغرقان"، لكن أثناء المتابعة ومحاولة التعرف على صاحب "المركب" كان "مؤشر الموتى" يشير إلى أن العدد أصبح 21 شهيدا.

21 شهيدا، تزامن مع تزايد أعدادهم وصول أسر الضحايا.. قوات الأمن وصلت المنطقة، مصطحبة معها فرق الإنقاذ، التي تمكنت من إنقاذ ثلاثة أشخاص، الألم لم يمنع ارتفاع حدة الغضب، فالقيادات الأمنية التي حضرت لمكان الحادث، سرعان ما قررت وقف عملية البحث عن مفقودين، وانتظار أو ضوء للنهار لاستكمال عملية البحث.

البحث عن القتلى مع أول ضوء
من المرات القليلة التي التزمت فيها الحكومة، ورجالها، بوعدهم، فبالفعل مع أول ضوء تم استئناف عمليات البحث عن ضحايا جدد، في الوقت ذاته كان الأرقام في تزايد مستمر، أجهزة الإعلام تشير إلى أن العدد تجاوز حاجز الـ 30 ضحية، الحكومة تتمسك بـ «الصبر"، وتؤكد أن الغرقى لم يتجاوزا حاجز الـ 19، لكنها سرعان ما عادت لتشير إلى أن العدد ارتفع وأصبح 21، وعندما وصلت مؤشرات الحكومة لهذا الرقم، كانت وسائل الإعلام تشير إلى أن الـ 30 أصبحوا 40، وأن الأمل في التوصل لناجين يكاد يكون منعدما.

تزايد أعداد القتلى لم يمنع قيادات الدولة من تكرار سيناريو الأزمات، فسرعان ما بدأت تصريحات "من المسئول" تطادر الجميع، الصندل أصبح متهما بـ «العمل في غير مواعيد العمل الرسمية".. صاحب «المركب» أصبح في دائرة الاتهام بـ «الحمولة الزائدة»، الضحايا أيضا لم يكونوا بعيدين عن "القفص"، حيث اتهمهم المسئوليون بأنهم "فرحانين" والموسيقى الصاخبة التي كانوا يستمعون إليها حرمت سائق "المركب" من متابعة خط سيره ليصطدم بـ «الصندل».

الرئاسة تتابع في صمت.. و«الداخلية» مشغولة في «حركة التغيير»
32 شهيدا.. لم تعلن الحكومة موقفها النهائي من الأزمة.. رئاسة الجمهورية لم تعلن الحداد، لم تطالب الحكومة بـ «بيان توضيح" لأبعاد الأزمة، ولم تعلن موقفها الرسمي بعد.. رئيس الحكومة خارج البلاد، في رحلة إلى إيطاليا.. وزير الداخلية كان منشغلا بـــ «حركة التغيير" التي تزامنت مع واقعة الغرق، وزير النقل اكتفى بالإشارة إلى أن المنظومة كلها فاسدة.

بعد 48 ساعة من الواقعة عاد المهندس إبراهيم محلب من زيارته الخارجية، فور تلقيه تقرير عن أزمة "المركب والصندل"، قرر عقد اجتماع عاجل مع وزيرى النقل والداخلية، وما هي إلا دقائق، وخرج المتحدث الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء، حسام القاويش، ليؤكد أن رئيس الحكومة يتوجه بخالص العزاء لأهالي الضحايا، وأنه قرر استبعاد رئيس هيئة النقل النهرى ومدير الإدارة العامة للمسطحات المائية من منصبيهما لحين انتهاء التحقيقات، وصرف مبلغ 60 ألف جنيه لأسرة كل متوفى، مع سرعة علاج المصابين على نفقة الدولة، إضافة إلى تشكيل وحدة من وزارة التضامن الاجتماعي تتبع الوزيرة مباشرة، تتولى استقبال أهالي الضحايا والمصابين، ومساندتهم وتقديم الدعم اللازم لهم.

حكومة «اللجان والطبطبة»
"القاويش" أكد أيضا أن "محلب" أصدر تعليماته بتشكيل لجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية وزراء "النقل، البيئة، الري، الداخلية، والعدل"، لمراجعة التشريعات الخاصة بإدارة نهر النيل بوجه عام، ومنظومة النقل النهري، مع إزالة كل التعديات والمخالفات الواقعة على النهر، وتغليظ العقوبات على المخالفين، بما يعمل على سلامة النقل بنهر النيل، وإحداث الانضباط المطلوب، والحفاظ على هذا الشريان المائي المهم.

إيقاف عن العمل.. لم يعاقب أحد بالإقالة، لم يرحل أحد من الحكومة ثأرا لـ «دم الغرقى»، الحكومة قررت دفع الدية والإبقاء على رجالها.. مشهد النهاية في سيناريو الوراق فالتحقيقات لن تجد ما يدين رئيس هيئة النقل النهرى، وما يقتضى للإطاحة بمدير الإدارة العامة للمسطحات المائية.

الغريب في الأمر أن واقعة غرقى الوراق، وعدم الإعلان عن الإطاحة بأحد من الوزراء المسئولين عن تلك الكارثة، أعادا للأذهان قصص استقالات وزير العدل السابق المستشار محفوظ صابر، على هامش تصريحاته المتعلقة بعدم موافقته على دخول أبناء "الزبالين" للسك القضائي، ورغم أن الحكومة حاولت تصوير الأمر كونه "إقالة" إلا أن الأيام التي تلت تلك الأزمة أكدت أن "صابر" هو الذي تقدم بـ «استمارة 6" للحكومة، لأنه رفض الاعتذار عن حديثه، ولينهى بتلك الاستقالة عهد الوزير في مصر لا يستقيل لكن تتم إقالته.

" نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية