رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة الشيخ الطيب


«أنتم مسئولون عن الخطاب الديني، وسيسألني الله عن تصويبه.. وسأقول له إنني بلغتكم أمام الأشهاد» وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، تلك الرسالة إلى فضيلة الإمام أحمد الطيب، شيخ الأزهر، خلال احتفال مصر بليلة القدر.. ليحمله المسئولية كاملة عن أحداث ثورة دينية، تعلي قيم الإسلام وتواجه التعصب والتشدد «والسؤال.. هل يستطيع الشيخ الطيب القيام بهذا الدور؟.. وهل هو مؤهل حقا للقيام به؟». 


ما جرى خلال العام الماضي منذ أعلن الرئيس في نفس المناسبة عن دعوته لثورة دينية.. وتحميل الأزهر بقيادة شيخه الطيب قيادة تلك الثورة؛ لأنه مؤهل لها يعكس أزمة الشيخ الطيب ما بين قيادات المؤسسة الدينية ومنهم من يتشكك في الأمر برمته ويتمسك بما جاء في كتب التراث من أفكار حتى لو كانت لا تتلاءم مع حقائق العصر، وما بين تشخيص الرئيس بطبيعة الأزمة مع الإرهاب، وأن مواجهتها تبدأ بتعرية الأفكار التي يدعون لها ويخدعون بها المواطنين البسطاء.

ولا يخفي البعض تشككه في تحمس شيخ الأزهر لدعوة تجديد الفكر الديني.. ويؤكدون أنه لا يتخذ موقفا محايدا من دعاة التمسك بالتراث ورفض دعوة التجديد باعتبارها بدعة «وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار»، ويستدلون على ذلك بأن المؤسسة الدينية لم تتخذ خطوة واحدة جادة على طريق التجديد طوال العام الماضي، ما دفع الرئيس إلى إعلان عدم رضائه عن أداء المؤسسة بقوله في الاحتفال بليلة القدر «إن ما يتخذ لمواجهة الفكر المتشدد والإرهاب ليس كافيا»، وهي عبارة لا تخلو من دبلوماسية؛ لأن لا شيء تحقق على الإطلاق، ما يشير إلى أن استجابة المؤسسة العريقة لدعوة الرئيس لم تكن على مستوى التحدي الذي يواجه الوطن؛ بسبب تبني الجماعات الإرهابية للأفكار المتشددة التي تقودهم إلى تكفير المجتمع.. وتبرر القتل والتدمير بحجة هدم مؤسسات الدولة القديمة لإقامة الدولة الإسلامية الملتزمة بتعاليم الدين وإعادة الخلافة من جديد.

ومن كان يبدو، الدور الكبير لمؤسسة الأزهر في التصدي لتلك الأفكار الغربية عن الإسلام والرد على هؤلاء الذين يزعمون أنهم وحدهم الذين يملكون الحقائق المطلقة ويرمون غيرهم من المسلمين بالكفر؛ لأنهم وحدهم الفرقة الناجية من النار.. أما باقي المسلمين فمالهم جهنم وبئس القرار.

وبدلا من قيام علماء الأزهر بهذا الدور، فسروا دعوة الرئيس للثورة الدينية على أنها تعمل على التعبير بالعنف لا عن طريق الحوار والاقتناع.. ومنهم من يرد موقفه السلبي برفضه أسلوب فرض الفكر بالقوة، لذلك حرص الرئيس على التأكيد أن حديثه عن الثورة الدينية يعني ثورة فكرية تتناسب مع العصر وتتماشى مع إرادة الله الذي كفل للبشر حرية الإيمان والعبادة.

أزمة الشيخ الطيب تتجسد في أنه لن يستطيع تبني دعوة الرئيس للثورة الدينية، بينما يقدم بعض قيادات الأزهر تلك الحجج العرجاء لتبرير تقاعسهم عن الاستجابة لدعاوى التجديد ونشر الأفكار المستنيرة التي يحفل بها الإسلام، ومحاولة هؤلاء الخلط بين الدعوة لتجديد الفكر الديني والسعي للعبث بالثوابت الدينية التي لا خلاف عليها، ولا يمكن لأحد الاقتراب منها.

أزمة الشيخ الطيب تتجسد فيما تحفل به مناهج الأزهر من آراء القدامى الذين يبررون قتل كل من يخالفهم في الدين.. بل يكفرون المسلمين من أتباع المذاهب الأخرى، ويقدمون الفتاوى التي تبرر قتلهم.

وعندما شكل الشيخ لجنة لتنقية المناهج من الأفكار التي تتناقض مع العقل.. وعقدت العديد من الاجتماعات ولكنها لم تنجز طوال العام الماضي شيئا يذكر، بما يدل على أنها تأخذ الأمور على مأخذ الجد، بما يتواكب مع حجم التحديات التي تواجه الوطن.

أزمات الشيخ الطيب لا تتمثل في مدى قدرته على تحمل المسئولية، إنما لأنه لا يستطيع أن يغفل دعوة الرئيس لتجديد الفكر الديني.. بينما غالبية قيادات مؤسسته لا تتجاوب مع دعاوى التجديد، وتنبري لإسكات كل صوت يدعو إلى تنقية التراث مما علق به من أفكار تتاقض العقل وسماحة الإسلام.
الجريدة الرسمية