رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور.. صناعة السجائر في مصر.. محمد علي يحتكر التبغ.. «ماتوسيان» أول شركة للدخان بالقاهرة.. استغلال الوطنية في الدعاية للسجائر عام 1919.. وعبد الناصر يأمر بتصنيع «كليوباترا»

فيتو

مع كل عجز للموازنة تلجأ الحكومة المصرية إلى زيادة الضرائب على السجائر باعتبارها المنتج الأولى بالاستغناء عنه، لتصبح السجائر في مصر مؤشرا واضحا على حال الموازنة ومن ثم الاقتصاد المصري ككل.


ورغم أن السجائر عرفها العالم في منتصف القرن التاسع عشر على يد الفرنسيين، فيما عرف العالم التبغ أواخر القرن الخامس عشر على يد الهنود الحمر، إلا أن صناعة السجائر التي دخلت مصر أواخر القرن التاسع عشر كانت شاهدا على التطور السياسي والاجتماعي لمصر، بداية من احتكارها على يد محمد على وحتى تأميمها على يد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مرورًا بالتغييرات الاجتماعية المتعلقة بصعود الإسلام السياسي.

التبغ ودخوله مصر
عرف العالم التبغ أواخر القرن الخامس عشر بعد اكتشاف كريستوفر كولومبوس الأمريكتين، وينسب لزعماء قبائل الهنود الحمر مقولة "لقد أبادنا الرجل الأبيض بسلاحه، وانتقمنا منه بسلاحنا" والمقصود هنا نقل عادة التدخين للإنسان الأوربي، إلا أن مصر عرفت التبغ في وقت متأخر عام 1601 وكان المصريون يستخدمون التبغ عن طريق المضغ.

وذكر الجبرتي أن الولاة العثمانيين منعوا استخدام التبغ وزراعته، باعتباره عادة بذيئة محرمة، ووصل الأمر إلى التشدد في تطبيق هذه التعليمات إلى الإعدام. 

ومع دخول الحملة الفرنسية إلى مصر، بدأت زراعة التبغ في منطقة الفيوم، إلا أن النقلة في زراعة التبغ كانت في عهد محمد على باشا الذي بدأ حياته كتاجر أدخنة، ليحتكر زراعته في مصر، ويطرأ أول تغيير سياسي على صناعة التبغ في مصر.

وفي الوقت الذي كانت مصر تصدر فيه التبغ لأغلب دول العالم، كانت فرنسا على موعد مع اختراع السجائر، ونتيجة حتمية لاختلاط المصريين بالفرنسيين وسفر البعثات دخلت السجائر إلى مصر بعد اختراعها بعدة عقود مع تطور صناعة الورق.

الأرمن والسجائر

مع بدايات القرن العشرين، وتوتر أوضاع الأرمن في الأراضي التركية والتي انتهت بمذبحة الأرمن على يد العثمانيين هاجر العديد من الأرمن إلى مصر التي يتمتعون فيها بوضع خاص منذ عهد حكم محمد على، وهنا تأسست أهم وأكبر شركة سجائر وتبغ في مصر وهي شركة "ماتوسيان" للأخوين اللذين حملا نفس الاسم.

وضمت الشركة 70 ألف عامل أغلبهم من الجالية الأرمينية، وافتتح الأخوان ماتوسيان الشركة لهذا الغرض، بالإضافة إلى عدد من الشركات الصغيرة الأخرى التي ما لبث أن اندثرت.

وأسس الأرمن 20 مصنعا للسجائر في مصر منها 16 مصنعا في القاهرة واثنان بالإسكندرية ومصنع واحد بمدينة المنصورة وآخر بمدينة الزقازيق، وأقدمها مصنع سركسيان الذي أسسه كريكو سركسيان بشبرا أما أشهرهم فهي الماتوسيان، وتحتل صناعة التبغ والأدخنة في مصر المركز الرابع في الصناعات التي عمل بها الأرمن في مصر.

جانكليس وكريازي

ونزولًا من أرمينيا حتى اليونان، تأتي مصانع الإخوة كريازي ومصانع جانكليس للسجائر، وتأسس الأول عام 1873 بالتوفيقية، وكان إنتاج المصنع من السجائر يتم تصديره إلى الشرق الأوسط وأوربا، وكانت من أهم ماركاتهم "زينيت" و"ألف ليلة وليلة" وبحلول 1901 كان إنتاج مصانع كريازي يصل إلى 103 ملايين سيجارة من مصنع مصر وفروعه في الدول الأوربية.

أما الثاني فقد افتتحه اليوناني نستور جانكليس عام 1871، واستعان بالإنجليز لتطوير مذاق سجائره بما يناسب الذوق الإنجليزي، وكانت سجائره تصدر إلى المملكة المتحدة خصيصًا، ومن أشهر ماركاته سجائر "زمزم" التي حاول بها الوصول إلى شرائح أخرى وهي شريحة المتدينين، ونشر إعلان لأحد الشباب يدعو شيخًا لتدخينها. 

سجائر الوطنية

مع اندلاع ثورة 1919، كان الشعور الوطني للمصريين في تزايد خاصة مع خروج فكرة "بنك مصر" واستقلال الاقتصاد الوطني، وفي تلك الفترة ظهرت نوعيات ومصانع وطنية للسجائر، وظهرت الصبغة الوطنية في الإعلانات.

وكان من أهم المصانع شركة سجائر محمود فهمي الذي قدم للمصريين سجائر تحمل اسم "بيت الامة 1919" وكان له إعلان طريف كان شعاره فيه "السجائر التي يحبها الرياضيون " ونشر في مجلة "الألعاب الرياضية". 

أما شركة الاتحاد، فقد لعبت اعلاناتها على دعم الاقتصاد الوطني المصري وقد قدمت 3 ماركات للسجائر، الأولى عباس حليم والثانية يكن باشا، أما الثالثة فكانت أم الدنيا.

وكانت الطفرة في إعلانات الاتحاد تكمن في أن إعلانات السجائر في تلك الفترة تستهدف فئة المتعلمين والاغنياء، فيما أكد إعلان للاتحاد أن سجائر ام الدنيا هي للعمال، فيما سجائر عباس حليم ويكن باشا هي للعظماء. 

والشركة الثالثة هي شركة البستاني والتي قدمت ماركات عديدة أهمها "نبيل"، اما الشركة الرابعة فكانت عبد الرحمن فهمي واهم ما قدمته هذه الشركة هو تقديم أول إعلان للسجائر موجه للنساء وهو إعلان سجائر "الامراء" 

الشرقية للدخان

بمرسوم من الملك فؤاد الأول وبرأس مال مقدر بـ 25 ألف جنيه مصري تأسست شركة الشرقية للدخان لمحاربة سيطرة الأجانب على صناعة السجائر في محاولة منه لتأكيد دعم الاقتصاد المصري لتحسين صورته التي تدهورت عقب ثورة 1919، خاصة أن المصريين كانوا قد أعلنوا مقاطعة البضائع الإنجليزية، وقد استطاعت الشركة الاستحواذ على نسبة كبيرة من السوق المصرية.

وعقب ثورة 1952، تعرضت مصالح الأجانب للتأميم من بينها شركة "ماتوسيان" التي تركت تحت إدارة الأخ جوزيف ماتوسيان، واندمجت الشركة مع الشرقية للدخان ونقلت الشركة بالكامل إلى مقر الماتوسيان بالجيزة. 

ومع تدخين عبد الناصر الشره للسجائر من نوعية "كينت" المستوردة، جاءت فكرة تصنيع سجائر "كليوباترا" التي طلب عبد الناصر من ماتوسيان تصنيعها ليكون أحد عملائها في معرض السجائر الذي أقيم سنة 1961، وهو ما تم، وتحتكر الشركة سوق السجائر في مصر بموجب القانون الذي لا يسمح بإنشاء مصانع أخرى للسجائر، في الوقت الذي قامت فيه الشركة بالاتفاق مع كبرى الماركات العالمية على تصنيعها في مصر مقابل 5 دولارات لكل 1000 سيجارة.

النساء والتدخين

وفي أواخر الأربعينات ظهرت شركتا "وتكس" و"أطلس" وتعد الشركتين هما الأشهر في مجال الدعاية، واعتمدت الشركتان على الفنانين في الدعاية، وكانت الأولى تنتج سجائر "كوتاريللي" أما الثانية فتنتج سجائر "واسب" فظهرت الفنانة فاتن حمامة التي لم تظهر في أي من أفلامها في تلك الفترة تدخن على إعلانات الشركتين، فظهرت في إعلانات "واسب" بمفردها، فيما ظهرت في إعلان " كوتاريللي" مع شقيق زوجها "محمود ذو الفقار " وكتب على الإعلان "نفختها جذابة".

كما ظهرت في إعلانات السجائر كل من هدي سلطان وشريفة فاضل، وليلى مراد وزوجها والملاحظ في تلك الدعاية أن أغلبها موجه بالأساس للنساء، وهو ما يظهر في الاستعانة بالنجمات في حين كانت تتم الاستعانة بالرجال فقط إذا كانوا لهن زوجات من النجوم يظهرن معهم.

واستمر ذلك في فترة السبعينات واعتمدت كليوباترا في دعايتها على النساء أيضًا، وظهرت الراقصة سهير زكي والفنانة سهير المرشدي وكذلك ليلى طاهر في إعلاناتها، الأمر الذي اختفى تمامًا من السوق الدعائية عقب صعود التيار الإسلامي الذي اعتبر التدخين محرمًا للرجال إلا أنه يمكن التسامح معه، في الوقت الذي يعتبر تدخين المرأة جريمة خاصة مع انتشار الحجاب.
الجريدة الرسمية