رئيس التحرير
عصام كامل

لكي يكون الدرس معلما وملهما!


من الصعب على الإنسان أن يبتعد عن أصحابه وأحبابه الذين عاش معهم داخل جماعة الإخوان فترة من الزمان، إذ عادة ما يواكب ذلك حزن وألم، خاصة إذا كانت الفترة طويلة..قرار الابتعاد نفسه صعب، وقد ظل الإنسان يفكر فيه طويلا، يحاول أن يوازن بين إيجابيات وسلبيات الابتعاد، فضلا عن استشراف المستقبل الغامض الذي ينتظره..وعندما اتخذ قراره، زال عنه الكثير مما كان يعانيه..


وقلل من الإحساس بالمعاناة، أن الإنسان كان يعمل لخدمة دينه ووطنه وأمته، سواء أرضى ذلك أصحابه أم أسخطهم، فهو لم يكن يسعى لمنصب أو مال أو جاه، وإنما كان همه هو إرضاء الله سبحانه وتعالى..كما قلل من إحساسه بالمعاناة أيضا، بذله كل ما وسعه من جهد ووقت في سبيل إصلاح هؤلاء الأصحاب وتعديل أو تصحيح أفكارهم ووسائلهم وأساليبهم بحيث تكون نبيلة وشريفة وتتفق مع نبل وشرف الهدف، وإلا كانت ميكافيلية..

لقد شعر الإنسان في لحظة أن جهده ووقته لم يعد له قيمته وأن وجوده أصبح في حد ذاته مشكلة مع من حوله، وكان عليه أن يتخذ قراره وهو غير آسف، وكان عليه في الوقت ذاته أن يبحث عن طريق جديد يمكن أن يجد فيه قبولا أو رضا لأفكاره ورؤاه..كان يأمل أن ينجح في مسعاه، لكن الظروف لم تكن مواتية على أي نحو..ومن هنا كان التفكير في الكتابة وتوثيق ما مر به من وقائع وأحداث وتقديم ما يراه نافعا، حقًا أو صوابا، خاصة أن هناك قضايا كثيرة تحتاج لمن يتناولها ويدلى فيها بدلوه بالبحث والدراسة، ومن المؤكد أن خبرته وتجربته الطويلتين سوف تساعدان في ذلك كثيرا..

إن الأجيال الجديدة، سواء كانت داخل الجماعة أو خارجها، من حقها أن تعرف وأن تتعلم، خاصة أن هناك دروسا كثيرة مستفادة.. المهم، ألا يبقى الإنسان دون عمل، وألا يستنكف أن يقوم بعمل - حتى وإن كان بسيطا - إلى آخر لحظة في حياته..جاء في الحديث: "إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فاستطاع أن يغرسها، فليغرسها، فله بذلك أجر"..والساعة المقصودة في الحديث - والله أعلم - هي انتهاء أجل الإنسان، فالقبر هو أول منازل الآخرة..

خفف كثيرا من إحساس الإنسان بالمعاناة أنه اكتشف أن الأصحاب الذين عاش معهم في قارب واحد وفى ظل ظروف مختلفة لعقود طويلة، لم يكونوا صادقين معه، وأنهم كانوا يكذبون ويخدعون..كان عليه أن يحدد موقفه بشكل حاسم في المرة الأولى التي اكتشف فيها ذلك، لكنه - للأسف - لم يفعل..آثر حسن الظن لأبعد مدى..لقد تصور أنها مجرد كذبة عابرة وتمضى، وأنها لن تتكرر، وأن الظروف قد اضطرت أصحابها إلى ذلك..لم يكن يدرك أنه منهج(!)

عموما - وكما يقال - أن يأتى الإنسان متأخرا، خير من ألا يأتى مطلقا..صحيح أنها تجربة مؤلمة، لكن بقدر ما يكون الألم عميقا وغائرا، بقدر ما يكون الدرس معلما وملهما والاستفادة رائعة وعظيمة..هذه هي الحقيقة..فهل كان من الممكن أن يتعلم الإنسان، ويتعلم غيره، والأجيال التي تأتى من بعد، دون أن يدفع الثمن؟!

أن على الإنسان ألا يأسى إن ظل وحيدا طول الوقت، طالما كان اقتناعه أنه على الحق أو الصواب.. يكفى أنه حافظ على قيمه ومبادئه طول الوقت، وأنه كان صادقا مع الله، ومع نفسه، ومع الآخرين..فقديما قال الإمام على (رضى الله عنه): "لا تستوحشوا الطريق لقلة سالكيه"..ثم إن الحياة مع الله هي الحق كله، والصواب كله، والخير كله..وفى الحياة مع الله، لا يشعر الإنسان بغربة أو وحشة..
الجريدة الرسمية