رئيس التحرير
عصام كامل

وعندك 75 درجة هنا بدل وقفة احتجاجية!


للوهلة الأولى تحس إن الخبر مش جديد عليك، لكن بعد التدقيق والفحص والتعرُّف على التفاصيل والأحداث والآثار الجانبية سيتحوَّل إحساسك إلى يقين كامل، الخبر فعلًا مش جديد عليك ولا على أي حَد، وقفة احتجاجية من ضمن عدد ملياري من الوقفات الاحتجاجية، التي احتلت بها بلدنا موسوعة جينيس ريكورد للأرقام الاحتجاجية، وقامت بتوسيعها أكثر وأكثر، إذ يتوقَّف الزمن قبل ابتداع الوقفات الاحتجاجية العجيبة بتاعتنا؛ ليضع حدًا فاصلًا بين مصر قبل أربع سنوات، ومصر بعدها، خاصةً وقد احترفنا لحد الإدمان تنظيم الوقفات الاحتجاجية التي يتراوح أعداد المُشاركين فيها من كام ألف نفر، إلى نفر واحد، حسب الأهمية والحماس والغرض ووقت الفراغ، كما تتراوح أهدافها ما بين الغرض في إسقاط النظام السياسي، إلى الرغبة الشديدة في الطلاق أو الخلع أو فسخ الخطوبة!


الخبر ظهر على هامش أحد المواقع الإخبارية، "مش عارف مرّ مرور الكرام، واللا الناس توقفت قصاده"، المُهم إن محتواه كان يشير لوقفة احتجاجية قام بها طلاب الثانوية العامة أمام وزارة التعليم للمُطالبة بإلغاء التنسيق وتغيير المناهج، تاريخ الخبر كما لا يخفى على فطنة حضرتك كان في هذا الأسبوع، بالتحديد يوم الثلاثاء، يعني بعد الموسم الدراسي ما انتهى، وبعد ما الامتحانات خلصت، وبعد النتيجة ما ظهرت،" يعنى اللى ذاكر ذاكر، واللى خَد دروس خصوصية خَد، واللى اعتمد على نفسه اعتمد، واللى غَش غَش سواء جماعى أو فردى، فما هو الغرض من المُطالبة بتغيير المناهج بعد ما خلاص انفض السامر بالنسبة للمُحتجين؟!"

"مُمكن حَد يقول إنهم بينظروا للمُستقبل، ناس شايلين هَم أخواتهم الأصغر، أو جيرانهم الأقرب والأبعد، يمكن كمان بيخططوا لمستقبل عيالهم، كلام جميل، لكن هل المفروض تتغيَّر المناهج فعلًا؟ تقول حضرتك كخبير تعليمى لا يشق له غبار: إن المناهج الحالية لا تتناسب مع العصر الحديث، وإن تغيير المناهج لتوائم الحدث والأحداث والعُمر الحالى لهو ـ لعمرى ـ أمر حيوى إستراتيجي خطير، لا ينبغى التوانى عن تنفيذه فورًا، ماشى ده كلامك، لكن ماذا عن طلبة الثانوية المُحتجين في الوقفة إياها؟ كيف يُمكن للطالب أن يقوم بتقييم المناهج التي يدرسها؟ وإزاى ييجى له عين يقول المنهج بايظ ووحش وده سبب إنى جبت مجموع ضعيف، بينما هناك غيره جايبين 99% و100% و102% كمان؟!"

"أنا لا أدافع عن المناهج طبعًا، وعندى يقين أن لجان يتم تشكيلها من وزارتى التعليم والتعليم العالى يُمكنها ـ لو أرادت الحكومة ـ أن تحل كُل مشاكل المناهج في مصر، دة لو أرادت، لكن فيه معلومة صغنونة أوى يعرفها كُل واحد سبق له مشي ومرّ بالثانوية العامة، لكن سبق له ودخل مدرسة في أي مرحلة أو نوعية، سواء ابتدائية أو إعدادية أو دبلوم زراعة، وهى إن كتير من الطلبة طول عُمرهم مش راضيين عن المناهج، ودايمًا شايفينها معقَّدة وسخيفة وغير مُفيدة، وبالتالى فمنحهم حق الاعتراض عليها يُعنى بكُل بساطة أنه من المستحيل وضع منهج ما وبأى مواصفات لا للثانوية ولا لغيرها، يعنى ببساطة أكتر، وزى ما اتعودنا كطلبة زمان، وكمُتابعين للطلبة دلوقتى، الطالب شايف المنهج، بل والدراسة كُلها كحبل مشنقة ملفوف نحون رقبته، فلما حضرتك تستبدل بالحبل الليف ده حبل آخر من البلاستيك أو السلك أو حتى الحرير، فهو في كُل الأحوال حبل، يُقيِّد حُرية الطالب، ورغبته في الانطلاق والخلاص من أي قيد، ليكون جل تركيزه في أمور أهم زى ماتشات برشلونة، أو البلاى ستيشن، أو فيس بوك وتويتر، وبالتالى فغالبية الطلبة بيكرهوا المناهج كُره العَمى، وبيشوفوها قمة التعقيد والسخافة، حتى لو كانت مناهج في (ميكى جيب) و(تان تان)!"

"أشعُر إن كلامى كبير شويتين، كلام عواجيز يعنى، ولو كُنت لسَّه في الثانوية العامة، غالبًا كان هايبقى مكانى في الوقفة الاحتجاجية المذكورة، وهذه هي طبيعة الزمن والسن وتراكُم الخبرات والتجارب، إذن توجيه اللوم للطلاب المُحتجين لن يُقدِّم أو يؤخِّر، ولن يقنعهم أن ما يفعلونه راخر لن يُقدِّم ولن يؤخِّر بدوره، لا سيما مع مُطالباتهم "المُهترئة" بإلغاء مكتب التنسيق، ليكون بمقدور كُل واحد منهم إنه يدخُل الكُلية اللى تعجبه من غير ما يجيب مجموعها، ومكتب التنسيق كما نعرف على مرّ الزمان كارثة في حد ذاته، ولم تستطع الدولة ـ بكُل أنظمتها المُتتابعة ـ إيجاد بديل ناجع له، لكن كمان مينفعش نعترض في التَو ونقول عاوزين ندخُل طب، وإحنا جايبين 60%، أومال اللى جايب 102% ده يروح فين؟ يطلع على البيت الأبيض طوالى علشان يقعد بدل (أوباما)؟!"

"الغريب في أمر وقفاتنا الاحتجاجية هذه أن السواد الأعظم من القائمين بها لا يستحقون أصلًا ما يطالبون به، ومن غير ما نضحك على بعض، فالوقفة الاحتجاجية لموظفين يطالبوا بزيادة مطردة في الرواتب، بينما كُل همُّهم في الحياة هو التزويغ من الشُغل، وتناول الشاى والفطور على المكاتب قبل التزويغ طبعًا، هي نفسها الوقفة الاحتجاجية لطلبة الثانوية العامة اللى لا ذاكروا ولا فلحوا، وعاوزين درجات زيادة بدل الوقفة الاحتجاجية، وهى نفس الوقفة الاحتجاجية لفريق في الدوري اتغلب من طوب الأرض، واحتل المركز الأخير في جدول الترتيب، وله عُين يجيب لاعيبته ومدربيه ومسئوليه وجماهيره، ويعملوا وقفة بتطالب بإلغاء الهبوط.. ده مش خيال، ارجع بذاكرتك سنتين للخلف، وأنت تعرف إنه حصل فعلًا، والأكثر غرابة إن إدمان الوقفات الاحتجاجية عند ولاد بلدنا بلغ بواحد صاحبى إنه راح يعمل وقفة احتجاجية أمام وزارة الصحة، بسبب إن مراته كانت حامل، ولما وِلدِت جابت له بنت تانى، وهو كان عاوز ولد المرَّة دى!"
الجريدة الرسمية