مريد البرغوثي يحكي ذكرياته في جنازة الرسام «ناجي العلي»
نشر الشاعر الفلسطيني الكبير مريد البرغوثي، عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، تدوينة يسرد فيها ذكرياته مع جنازة الرسام الراحل ناجي العلي، ذاكرا مقطع من كتابه "رأيت رام الله"، حيث يقول:
في 22/7/1987 أطلق القاتل رصاصته في رأس ناجي العلي:
"يدخل ناجي العلي قادما من موته القديم، من موته الطازج.. هذه ضحكة عينيه وهذا قوامه النحيل.. اصغي إلى صرختي التي فجأة انفلتت من صدري وأنا أقف أمام قبره في ضاحية من ضواحي لندن، همست وأنا أنظر إلى قوس التراب بكلمة واحدة هي: لا!
قلتها تمتمة، قلتها إلى الداخل، لنفسي، لم يكد يسمعها أحد، حتى أسامة ذو السنوات التسع الذي كنت أقف خلفه وأحيط كتفيه بذراعيّ، ونحدق معا في قبر أبيه، لكنني لم أستطع أن أسترد السكوت بعد ذلك.
تلك الـ (لا) رفضت أن تنتهي. كبرت. ارتفعت. إنني أصرخ صرخة متصلة، ممتدة. أعجز استردادها من الهواء كأنها علقت هناك في ذلك الرذاذ الذي كان يبللنا معا أنا وأسامة وجودي وليالي وخالد ووداد، كأنها تنوي أن تظل معلقة بالسماء إلى يوم القيامة، تلك السماء البعيدة، تلك السماء التي لم تكن بيضاء ولم تكن زرقاء ولم تكن تخصنا ولم تكن تعرفنا ولم.. تكن..!
سمعت شقيق وداد يقول لي محاولا تهدئتي وهو يحتضن كتفي:
"من شان الله يا مريد إهدا يا خوي. إهدا، من شان نقدر نظل واقفين على رجلينا"
وجدتني أسترد نفسي من الصرخة التي تحولت إلى ما يشبه الإغماءة، أغلقت فمي بيدي وبعد قليل وجدتني أقول له بصوت متهدج وضعيف:
"هوّ إللي واقف، مش إحنا!".