رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة مارس ... «البكباشي» يعزل «اللواء» ..بدأت بانتصار نجيب وانتهت بعزله..«الإخوان» و«النحاس» يشعلان الخلاف بين الرئيس و«قيادة الثورة».. وحادثة المنشية

اللواء الراحل محمد
اللواء الراحل محمد نجيب

شهور تُعد على أصابع يد واحدة.. إنها الفترة التي قضاها اللواء الراحل محمد نجيب في رئاسته لمصر، والتي انتهت بما يعرف تحديدًا بـ«أزمة مارس» لينتهي الحال بدولة «جمال عبد الناصر».


في فبراير 1954، بدا اللواء محمد نجيب مستاءً من مواجهة القرارات التي تصدر عن مجلس قيادة الثورة رغمًا عنه، إذ يقف هو دائمًا في جانب بينما يقف بقية أعضاء المجلس في الجانب الآخر باستثناء خالد محيى الدين الذي كان العضو الوحيد المؤيد لنجيب من بين أعضاء المجلس، بحسب مذكرات اللواء «نجيب».

أما الأزمة نفسها، فتعود إلى اختلاف وقع بين اللواء نجيب وأعضاء مجلس قيادة الثورة حول مجموعة من السياسات، فالبنسبة للقوات المسلحة وقف نجيب معارضا لسياسة عبد الحكيم عامر في فصل الضباط ونقلهم وتعيينهم في وظائف مدنية، كل بحسب الرضا عنه أو السخط عليه.

اللواء نجيب كان معارضًا أيضًا لحكم محكمة الثورة بإعدام إبراهيم عبد الهادي (أحد رؤساء الوزارة في ظل الحكم الملكي)، قائلا حينها إنه يفضل أن يلتف حبل المشنقة حول عنقه دون أن يصدق على هذا الحكم - خفف الحكم بعد ذلك إلى السجن المؤبد، ثم أفرج عن «عبد الهادي» صحيا في فبراير ١٩٥٤.

إضافة إلى ما سبق، دخل نجيب – حسب مذكراته المنشورة على موقعه الرسمي- في معارضة لقرار مجلس قيادة الثورة بتحديد إقامة مصطفى النحاس رئيس حزب الوفد، وإذا كانت هذه الخلافات وغيرها قد أوصلت أول رئيس لمصر إلى مرحلة اليأس من إمكانية التعاون مع أعضاء المجلس، إلا أن الأمور زادت تعقيدًا بقرار اتخذه المجلس بأغلبية أعضائه – في ١٥ يناير ١٩٥٤ – بحل جماعة الإخوان المسلمين.

قرار حل الجماعة، اعتبره نجيب تعسفا في استخدام السلطة من قبل المجلس، وفي ٢٢ فبراير ١٩٥٤، قرر أن يضع نهاية لخلافاته المتصلة مع أعضاء مجلس قيادة الثورة، فقدم استقالته مكتوبة عبر فيها عن عدم قدرته على التعاون مع المجلس واعتراضه على كثير من قراراته.

بتقديم الاستقالة، انتقل الخلاف بين نجيب وأعضاء المجلس من مجرد خلاف تتناقله الألسنة إلى حقيقة واقعة، ويبدو أن نجيب قد عول على رفض المجلس لاستقالته تجنبا لإثارة الرأي العام الذي شغف بإنسانية.

إلا أن «نجيب» تحدث عن أن قرار مجلس قيادة الثورة، جاء مخالفًا لتوقعاته إذ استغل عبد الناصر مساندة المجلس له في إعفاء نجيب من جميع مناصبه (رئاسة الوزراء، ورئاسة الجمهورية، ورئاسة مجلس قيادة الثورة)، وحصل عبد الناصر على لقب رئيس الوزراء ورئيس مجلس قيادة الثورة، تاركا منصب رئيس الجمهورية شاغرًا.

كان يوم 25 فبراير 1954 فاصلا مع اللواء محمد نجيب، إذ أذاع مجلس قيادة الثورة على المواطنين بيانًا بأسباب الخلاف بين المجلس ونجيب لكنه اضطر لإعادته كرئيس للجمهورية في ٢٧ فبراير ١٩٥٤ لكون تأييده شعبيًا كبيرًا، وخرجت مظاهرات مؤيدة له في جميع أنحاء مصر، حينئذ استعاد محمد نجيب منصبه كرئيس للوزراء، ورئيس مجلس قيادة الثورة.

وإذا كانت أحداث شهر فبراير ١٩٥٤ هامة وخطيرة، فإنها رغم ذلك لم تكن سوى جولة واحدة في معركة متصلة، ذلك بأن ما شهده شهر مارس من أحداث كان أشد أهمية وأكثر خطورة.

وفي ٥ مارس ١٩٥٤، وعقب اجتماع لمجلس قيادة الثورة، أصدر المجلس مجموعة من القرارات التاريخية، وأعلن اتخاذ الإجراءات فورًا لعقد جمعية تأسيسية تنتخب بطريق الاقتراع العام لمباشر على أن تجتمع للقيام بمهمة البرلمان، وتناقش مشروع الدستور الجديد مع إلغاء الرقابة على الصحف فيما عدا الشئون الخاصة بالدفاع الوطني.

عقب ذلك بثلاثة أيام، قرر «قيادة الثورة» عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل أحداث شهر فبراير، وأعيد تعيين اللواء محمد نجيب رئيسا لمجلس قيادة الثورة ورئيسا لمجلس الوزراء ( وزارة نجيب الثالثة) بعد أن تنحي جمال عبد الناصر عن رئاسة الوزارة، وعاد نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة.

وفي ٢٥ مارس ١٩٥٤ قرر مجلس قيادة الثورة السماح بقيام الأحزاب، وحل مجلس قيادة الثورة في ٢٤ يوليو، أي في يوم انتخاب الجمعية التأسيسية، إلا أنه في ٢٩ مارس تم العدول عن قرارات ٥ و٢٥ مارس ١٩٥٤وانتهت الأزمة، وقرر مجلس الثورة في ١٧ أبريل عام ١٩٥٤، أن يكون اللواء محمد نجيب رئيسًا للجمهورية فقط، وأن يتولي عبد الناصر منصب رئيس الوزراء.

خلال فترة عودة «نجيب» البسيطة للسلطة حاول اللواء محمد نجيب إدخال بعض الحريات السياسية غير أنه تم إعاقتها تدريجيًا، واتهم «ناصر» باستغلال أنصاره من أعضاء هيئة التحرير والنقابات العمالية لتنظيم مظاهرات شعبية لتأييده.

كل ما سبق، كان سطور النهاية في «أزمة مارس»، أو الأزمة التي بدأت بانتصار اللواء محمد نجيب على معارضيه في مجلس قيادة الثورة وفي داخل صفوف الجيش، وانتهت بانتصار البكباشي جمال عبد الناصر ورفاقه في مجلس قيادة الثورة.

يقول اللواء نجيب في مذكراته: إن محاولة جماعة الإخوان لاغتيال جمال عبد الناصر بميدان المنشية بالإسكندرية في ٢٦ أكتوبر ١٩٥٤ إلى انتهاز الأخير الفرصة لقمع الإخوان والإطاحة بالرئيس نجيب متهمًا إياه بمساندته الجماعة.

وفي ١٤ نوفمبر ١٩٥٤ جاء قرار مجلس قيادة الثورة بإعفاء الرئيس محمد نجيب من رئاسة الجمهورية، ومن رئاسة الوزراء، ومن جميع المناصب التي يشغلها، مع استمرار مجلس قيادة الثورة بقيادة البكباشي جمال عبد الناصر في تولي سلطاته الحالية وتعيينه رئيسا لمجلس الوزراء إلى أن تحقق الثورة أهم أهدافها وهو إجلاء المستعمر عن أرض الوطن.

كما تقرر أن يبقى منصب رئاسة الجمهورية شاغرًا، ويستمر مجلس قيادة الثورة في تولي كافة سلطاته بقيادة الرئيس عبد الناصر، وإذا كانت هذه هي النهاية الرسمية لمحمد نجيب كرئيس للجمهورية، إذ ظل وحتى منتصف نوفمبر من نفس العام رئيسًا فخريًا ورمزيًا محرومًا من السلطة الفعلية وليس أدل على ذلك من أن اللواء نجيب كان رئيسًا للجمهورية وقت توقيع معاهدة الجلاء المصرية البريطانية في ٢٧ يوليو ١٩٥٤، ولكنه لم يشترك في التوقيع عليها.

في أعقاب حادث المنشية وصدور قرار ١٥ نوفمبر ١٩٥٤ بإعفاء اللواء نجيب من جميع مناصبه، تم تحديد إقامة اللواء نجيب مع عائلته في قصر المرج (وهو قصر كانت السيدة زينب الوكيل حرم الزعيم مصطفى النحاس قد أعدته لنفسها ثم صادرته محكمة الثورة).

كانت الحراسة مشددة على المكان، وكانت الزيارة ممنوعة حتى على إخوته، ومنذ ذلك اليوم الذي حددت إقامته فيه ظل بهذا المنزل حتى أفرج عنه الرئيس السادات عام ١٩٧١.

يذكر اللواء نجيب في مذكراته تحديدا يوم ١٤ نوفمبر ١٩٥٤: «في صباح ذلك اليوم، عندما جاء كل من: اللواء عبد الحكيم عامر وقائد أسراب حسن إبراهيم لينقلا إليه قرار مجلس قيادة الثورة بإعفائه من رئاسة الجمهورية، وقال عامر: إن إقامتك في فيلا زينب الوكيل، لن تزيد عن بضعة أيام، تعود بعدها إلى بيتك، ولكن من يوم دخلت هذه الفيلا، وحتى أكتوبر ١٩٨٣، لم أتركها، نحو ٢٩ سنة».
الجريدة الرسمية