رئيس التحرير
عصام كامل

لكنه عشق الدم والغدر والخسة أيضًا!


البعض ممن يقفون موقف العداء من ثورة ٢٥ يناير، يعزونها إلى مؤامرة رتبت وخططت لها الإدارة الأمريكية عن طريق مجموعة من الشباب المنتمين لمرجعيات فكرية وسياسية مختلفة.. لكن الذي لا شك فيه، أن الملايين من الشعب المصري خرجوا عن بكرة أبيهم، يطالبون بإسقاط نظام حكم مبارك، وقد تبلورت هتافاتهم في شعار "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية"..


فهل خرجت هذه الملايين مخدوعة، أو مضحوكا عليها، أم أنها خرجت تعبيرا عن انفجار شحنات الغضب التي امتلأت بها صدورها نتيجة الاستبداد والفساد الذي مارسه نظام حكم مبارك عبر عقود طويلة؟

البعض أيضًا ممن يقفون موقف العداء من ثورة ٣٠ يونيو، وهم الإخوان وأنصارهم، يعزونها إلى مؤامرة رتبت وخططت لها قيادات القوات المسلحة المصرية، عن طريق مجموعة من الشباب الذين قادوا حركة "تمرد".. لكن الذي لا شك فيه أيضًا، أن الملايين من الشعب المصري (نحو ٣٣ مليونا) خرجوا يطالبون بسقوط حكم المرشد.. والسؤال نفسه يتكرر، هل خرجت هذه الملايين مغررا بها مضحوكا عليها هذه المرة أيضا؟

إن الأمر مضحك حقًا، ويبدو - ونحن لا ندري - أن الملايين من شعب مصر من الغفلة والبلاهة والعته، بحيث أمكن استدراجها بكلمة أو خطة قام بها مجموعة من الشباب الماكرين والدهاة!

والواقع أنه من الممكن أن نخدع واحدا أو اثنين أو عشرة أو حتى ألفٍ، لكننا بالقطع لا يمكن أن نخدع شعبا.. وإذا خدعناه يوما أو يومين أو حتى شهرا، فلن نستطيع خداعه عاما كاملا..

لذا أقول إن التعصب الأعمى والنظرة السطحية الضيقة وسوء الطوية، كل ذلك يقود إلى غيبوبة تفقد صاحبها العقل السوي والفهم الصحيح، فلا يستطيع إدراك الحقائق الواضحة أو حتى البديهيات البسيطة..

رأيناهم يزعمون أن قيادات القوات المسلحة قد انقلبت على "الشرعية"، ونقول لهم فلماذا حاولت هذه القيادات القيام بالوساطة بين الإخوان ومعارضيهم؟.. هل نسينا محاولة الفريق أول السيسي (وزير الدفاع آنذاك) واللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية (أيامها)، وهما يعملان على إيجاد صيغة تقارب بين مرسي والمعارضة؟.. وكيف أن الرجل وافق، وبناء عليه تم توجيه الدعوة إلى الفرقاء، وقبل الاجتماع بساعة، إذا بمرسي يعتذر عن الحضور، والسبب أن الرجل جاءته رسالة من مكتب الإرشاد، أو بالأحرى من الشخصيتين النافذتين داخل المكتب بالرفض، وكان الموقف محرجا للغاية لكل من الرجلين، السيسي وجمال الدين؟.. وهل نسينا أيضًا كيف أن السيسي - بدافع من الحرص والخوف على الوطن - وجه إنذارا إلى الجميع، إخوانا ومعارضة، بضرورة العمل على إطفاء النار المشتعلة، وأن مصر على شفا حرب أهلية، وأعطاهم مهلة أسبوعين، ثم ٤٨ ساعة، لكن الإخوان وأنصارهم أصموا آذانهم وأعموا أبصارهم؟.. فهل هذا يتفق ومن يرتب ويخطط لانقلاب؟

كان لا بد للقوات المسلحة أن تستجيب وتنحاز إلى جانب الملايين التي خرجت في ٣٠ يونيو، معبرة عن غضبها واحتجاجها ورفضها لحكم الإخوان.. وكان لا بد من الإطاحة بمحمد مرسي في ٣ يوليو، بعد أن رفض إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بل إصراره على البقاء في موقعه حتى لو سالت الدماء أنهارا..

وكان اعتصاما رابعة والنهضة؛ حيث تجمع فيهما كل فرقاء العنف، والاغتيالات والإرهاب.. وكانت غزوات الإخوان وأنصارهم إلى دار الحرس الجمهوري، والمنصة، ومسجد الفتح، وبين السرايات، والصدام الدامي مع رجال القوات المسلحة والشرطة.. لقد حاول المستشار عدلي منصور (رئيس الجمهورية المؤقت) ووزارة الببلاوي، إعطاء الفرصة كاملة للمعتصمين لمغادرة الاعتصامين آمنين، مع ضمان وصولهم إلى بيوتهم سالمين، لكن دون جدوى.. واستمرت المحاولات لمدة ٤٨ يوما كاملة، والمعتصمون لا يريدون مغادرة المكان.. وكان لا بد من فض الاعتصامين على مراحل، لكن المعتصمين كانوا عازمين على وقوع كربلائية تعفيهم من المساءلة أمام شبابهم وأمام تنظيمات الإخوان في الأقطار المختلفة..

وانطلق مسلسل العنف والإرهاب والدم في سيناء، والإسماعيلية، والدقهلية، والقاهرة، والفرافرة.. إلخ، مستهدفا اغتيال رجال القوات المسلحة والشرطة، والقضاء.. وكان آخرها الهجوم على كمائن رفح والشيخ زويد واستشهاد ١٧ وإصابة ١٣، واستشهاد المستشار النائب العام هشام بركات.. أقول مجددا: إنه ليس التعصب الأعمى والنظرة السطحية الضيقة وسوء الطوية فقط، لكنه عشق الدم والغدر والخسة أيضًا.
الجريدة الرسمية