رئيس التحرير
عصام كامل

االدكتور أبو الفضل بدران: انتهى زمن العواجيز في "الأعلى للثقافة"

فيتو

  •  لست غريبًا عن الوسط الثقافي
  • أتمنى أن أكون من أهل ثقة الوزير
  •  لم أكن أعرف الوزير على الإطلاق ولم أقابله مرة في حياتي
  • مبادرة "الثقافة في مواجهة الإرهاب" وليدة أفكاري
  •  رفضت الإفصاح عن خطة إدارة المجلس إلا بعد التعيين الرسمي
  • وزارة الثقافة لا يمكنها القيام بدورها منفردة
  •  لا علاقة لمبادرة مواجهة الإرهاب بالـ"شو الإعلامي"
  •  ثقافة النخبة لا مكان لها في الوزارة
  •  سنحول ندوات الثقافة من طريقة المحاضر إلى المحاور
  •  من حسن حظي أن المجلس على "ضفاف النيل"
  •  علاقتي بالحزب الوطني لا تتعدى الـ4 أشهر
  •  شباب الكتاب أولى بأماكن كبار السن المتوفين 
  •  أميل للصوفية وتربيت في بيت متصوف


تزامن توليه لأمانة المجلس الأعلى للثقافة، كثيرًا من التصريحات المتناقضة والنارية بين وزير الثقافة الدكتور عبد الواحد النبوي، والأمين العام السابق الدكتور محمد عفيفي، تراه حين يعرف نفسه يقول: "أنا واحد من عباد الله، ولدت بقرية العويضات في محافظة قنا بصعيد مصر، وأتممت تعليمي هناك، والتحقت بكلية الآداب جامعة أسيوط، وعينت معيدًا بالكلية ثم إلى الماجستير ومنها إلى الدكتوراه".

هو الدكتور محمد أبو الفضل بدران، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، وفي حوار بين "فيتو" وبدران، دار الحوار على النحو التالي:


* توليك لمنصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، شابه الكثير من التصريحات وحالة متباينة من القبول والرفض، فهل ترددت في قبول المنصب حين عُرض عليك من قبل وزير الثقافة؟
أنا لا أعرف لماذا حدثت كل هذه الضجة حول ولايتي لمنصب الأمين، فأنا لم أكن بعيدًا عن الوسط الثقافي، وإنما كنت عضوًا في لجنة الدراسات الأدبية بالمجلس، كما أني كنت قد نشرت أحد كتبي هنا، وأنا عضو في لجنة تغطيات الأساتذة والأساتذة المساعدين على مستوى جامعات مصر –وهي لجنة وحيدة - إضافة إلى مشاركتي في العديد من أنشطة وفعاليات الثقافية على مستوى المجلس والمحافظات، وأحمد الله أني أحتفظ بصداقة مع معظم الأدباء والمثقفين.

* ولكن قيل إن اختيار الدكتور عبد الواحد النبوي لك جاء بسبب رغبته في إحاطته بأهل الثقة، فهل هذا صحيح؟
أتمنى أن أكون أهلا لثقة الوزير، ولكني لم أكن أعرف الوزير على الإطلاق إلا من خلال كتبه، ولم ألتق به طوال حياتي، إلا في حفل تأبين الشاعر عبد الرحمن الأبنودي في أبنود، وكانت المرة الأولى التي التقي به، وقال لي آنذاك: "قرأت لك وسمعت عنك وسألت عنك، وهذا الثلاثي جعلني أختارك لهذا المنصب الرفيع".

* هل كنت تعلم بترشيحك لأمانة المجلس الأعلى قبل توليك بفترة؟
لم أعرف إلا في أواخر شهر يونيو الماضي، على الرغم من تردد اسمي في الإعلام والصحافة، فقد كنت أسمع مثل الجميع دون أن أتأكد، إلى أن هاتفني الوزير ذات مساء فقبلت بالمنصب؛ لأن دوري كأكاديمي وكشاعر يستدعيني ألا أهرب من مسئوليتي وأداء دوري.

* عندما عرضت عليك أمانة المجلس، هل دارت بخلدك خطة معينة لإدارة المجلس وكيفية تطويره؟
بالتأكيد، أعددت مخططًا لأسير على نهجه.

* ولكن هناك بعض الصحفيين الذين هاتفوك وقتها، فقلت إنك لا تمتلك خطة حتى الآن، لتصدر وزارة الثقافة بعدها بيانًا كاملًا بالخطة، ما دعا الجميع للاستغراب، فهل تملي عليك الوزارة خطة بعينها للتنفيذ؟
هناك خلط واضح في هذا الأمر؛ لأنهم حين سألوني عن خطتي لم أكن قد كلفت رسميًا، ولم أر قرارًا بتعييني أمينًا للمجلس، فكيف لي أن أقول هذه خطتي!، فلو أني فعلت ذلك لاعتُبر أنه تدخل دون قرار رسمي في شيء لا يعنيني، وحين أرسلت الوزارة بيانها بعد تكليفي.

وفور تعييني بدأت في إدارة المكان ومحاولة مد الوزارة بأفكار جديدة، مثل مبادرة "الثقافة في مواجهة الإرهاب" التي دشنتها الوزارة مؤخرُا.

* إذًا مبادرة مواجهة الإرهاب هي وليدة أفكارك؟
نعم بالفعل، أنا صاحب الفكرة، وقد وجدت دعمًا وترحيبًا ضخمًا بالفكرة، وتعاونا غير معهود بين قطاعات الوزارة جميعها التي تكاتفت لإخراج المبادرة في أكمل صورة ممكنة، وهي المرة الأولى التي يتكامل فيها العمل بين المجلس الأعلى وقصور الثقافة على مستوى 27 محافظة، جنبًا إلى جنب وفي نفس التوقيت، وشارك فيها عدد كبير من الأدباء والمفكرين ورجال الدين.

* ولكن هناك عدة أدباء اعتذروا عن المشاركة في المبادرة؟
كان اعتذارهم بسبب ارتباط بعضهم بأعمال أخرى، خاصة في شهر رمضان وضيق وقت الترتيب للمبادرة على هذا النحو؛ حيث كان بعض الفنانين مرتبطين بتصوير أعمالهم الدرامية والفنية.

* لاحظ الكثير أن الجمهور الحاضر في فعاليات المبادرة، هم موظفو وزارة الثقافة وليس جمهورا عاديا، فكيف تكون المبادرة جماهيرية للشعب؟
مبدئيًا، من حق الموظفين أن يتم تثقيفهم، ولكن المبادرة تنقسم إلى 27 محافظة، وبالتأكيد ليست كل محافظة أو مكان كقرينة، ففعاليات شارع المعز على سبيل المثال، شهدت نجاحًا كبيرًا وازدحامًا بسبب الكثافة السكانية والجماهيرية للمنطقة نفسها، فقد كان الوزير ورؤساء القطاعات الثقافية وسط الناس والجمهور، إذًا فإن التقسيم الديموغرافي لمناطق الفعالية هو الذي يحكم على عدد الجمهور الحاضر.

* هل يمكن لوزارة الثقافة أن تواجه الإرهاب ببعض الندوات والفعاليات التي يحضرها الموظفون غالبًا؟
بالطبع لا، فلا يمكن لوزارة الثقافة أن تقوم بالثقافة بمفردها، وإنما لا بد أن تصل للناس والجمهور عن طريق التعاون بين جميع الوزارات؛ حتى نتمكن من توصيل الثقافة للمواطنين في أماكنهم.

وقد اخبرني الوزير بأن هناك 12 بروتوكولا مع وزارة الثقافة، إذًا لا بد من تفعيل تلك المنظومة للعمل وفق خطة مدروسة وشاملة، فليس بالضرورة أن نقيم فعاليات المجلس في أروقته نفسها، وإنما أن تنتقل من الغرف المغلقة إلى القرى والشوارع والنجوع.

* إذًا أنت تنفي عن المبادرة أن تكون مجرد "شو إعلامي" لمواجهة الإرهاب؟
نعم أكيد، فالمبادرة جاءت بعد حماسنا وغضب الجميع من الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها مصر في الآونة الأخيرة، ونحن لم نبدأ إلا بـ5% من الفعاليات حتى الآن، وسيتم استكمال باقي الفعاليات بعد انتهاء عيد الفطر.

* هل مثلت المبادرة عبئا على ميزانية وزارة الثقافة؟
لا، فإن جميع الضيوف الذين دعوناهم إلى المبادرة رفضوا تقاضي أي أجر مادي مقابل مشاركتهم، وتكلفة المبادرة انحصرت في بعض الأعمال البسيطة كنقل المعدات والتجهيزات فقط.

* هل ترى أن مشكلة الإرهاب تتعلق بالضغوط الاقتصادية للبلاد أم الثقافية؟
بالطبع هي ثقافية في المقام الأول، على الرغم من تشكيل الاقتصاد جزءا من العبء، إلا أن هناك بعض المنتمين إلى داعش من بلاد أوربية ذات الرخاء والنعيم الاقتصادي، لذا لا يمكن للاقتصاد أن يكون العامل الأول في الإرهاب، وإنما الثقافة هي من تستطيع إحياء وإبادة الشعوب.

* نعرف دائمًا أن المجلس منوط برسم الخطط الثقافية والإستراتيجيات، فلم تصر على نقل الفعاليات إلى الشوارع مع أنه ليس من اختصاصكم؟
هذا ما يعتقده الكثيرون، ولكن قرار إنشاء المجلس رقم 150 لعام 1980، ينص في بنوده على رسم الخطط والإستراتيجيات، إضافة إلى توصيل الثقافة للشعب، وهو ما يستدعي نقل الفعاليات الثقافية إلى الجمهور، ما أريد أن أقوله هو أن زمن ثقافة النخبة قد انتهى، وجاء زمن ثقافة الشعب.

* ولكن الندوات التي تقيمها الوزارة غالبًا ما تكون خالية من الجمهور، خاصة الشباب منهم، فما السبب، وكيف يمكن معالجته؟
تعاني الندوات الثقافية عمومًا من هذا الأمر، وذلك لنمطية إدارة الندوة، ولكننا نعمل في الفترة القادمة على تغيير نمط الندوات من ثقافة المحاضر إلى المحاور، بمعنى أن نتحاور مع الشباب، ونجعلهم يقومون بتثقيف أنفسهم وأصحابهم؛ لأن هذا سيلقى قابلية أكثر في نفوس الشباب.

* منذ توليك أمانة المجلس حتى الآن، ما هي الإيجابيات والسلبيات التي رصدتها فيه؟
وجدت ترحيبًا من جموع المثقفين الذين هاتفوني أو أرسلوا إلىَّ باقات الورد، وتفضل بعضهم بالحضور لتهنئتي، وقال لي الكثيرون منهم إنهم يأملون في كل خير، وهذا وضع على عاتقي حملًا ثقيلًا، ولكن أجتهد وأحاول أن أعطي ما أستطيع.

ووجدت الشباب هنا مليئين بالطاقة؛ حيث جاء الكثيرون منهم وطلبوا تكليفهم بشيء ما حتى يعملوا على تنفيذه، وهذا دليل على بطلان اتهام الشباب بالكسل وعدم حبهم في العمل.

أما السلبيات أني وجدت بعض الناس وهم قلة، يودون أن آتي لمكتبي فقط وأن تتحول جميع فعاليات المجلس إلى أروقته فقط، ما يعني انعزالي تمامًا عن العالم الخارجي، وألا تخرج الفعاليات إلى الشارع، ولكني قلت لهم: "من حسن حظي أن موقع المجلس على ضفاف النيل، لذا يجب علىَّ إيصال الثقافة عبر النيل من حلايب وشلاتين وحتى الإسكندرية".

* ما هي أول القرارات التي أخذتها منذ دخولك إلى مكتبك في المجلس الأعلى؟
أول قرار اتخذته هو إعادة تفعيل منظومة النشر.

* ما السبب وراء ذلك؟
السبب هو زيارة الكاتب الكبير يوسف الشاروني لي، عقب تولي المنصب، حيث قال لي: "تجاوزت الـ90 عاما من عمري، ولي كتاب عندكم بالمجلس منذ أكثر من 7 سنوات، فكم سيطول بي العمر حتى أرى ذلك الكتاب منشورًا؟"، وهو ما أثر فيَّ كثيرًا واستدعاني إلى تفعيل إعادة النشر، وفتح باب تلقي لاأعمال الجديدة.

* ولكن الكتب القديمة المفترض نشرها يتعدى عددها الآلاف، فكيف ستستطيع تنظيم عملية النشر مع تلقي الأعمال الجديدة؟
سنقوم بنشر الأعمال القديمة حسب منظومة الأقدم فالأحدث، والأهم فالمهم، ويشترط على الأعمال الجديدة أن تكون على قدر كاف من الجودة والأهمية.

* لجان المجلس الأعلى للثقافة، قيل إنه يمكن تقليص عدد اللجان في الفترة القادمة، فهل هذا صحيح؟
هذه اللجان أدت دورها وهم مشكورون، وسنكمل مما انتهت إليه تلك اللجان، ولكن لا يعني ذلك أن تبقى اللجان كما هي، فإذا وجدنا أن قطاع الشباب مظلوم في هذا التمثيل، فيجب إدخال الشباب إلى لجان المجلس حتى تكتمل الدائرة والمنظومة.

* إذًا هناك نية فعلا لتقليص عدد اللجان؟
لا بالعكس، أنوي زيادتها حتى تشمل الجميع، في تشكيلها الجديد المقرر بشهر أكتوبر القادم.

* إذًا ستعمل في تشكيل اللجان الجديدة على إدخال الشباب وإخراج الكهول والعواجيز؟
سأحاول أن يكون الشباب جنبًا إلى جنب مع الكتاب كبار السن، حتى يكتمل الحلم والطموح مع الخبرة.

* ولكن كل لجنة ملزمة بعدد أشخاص معينين، فإذا استوجب الأمر عملية إحلال للكوادر الكبيرة في السن بالشباب، هل ستلجأ إلى ذلك؟
كل شيء جائز، إذا ما استوجب الأمر إخراج شخص كبير في السن مقابل شاب طموح ومبدع، فلم لا!، ولكن لن تكون عملية إحلال على مستوى كبير؛ لأن كبار السن هم قامات أدبية لا يمكن الاقتراب منهم، ويجب الاستفادة من علمهم، إلا أن بعض أولئك الأدباء يقدمون الاعتذارات بشكل دائم، إضافة إلى سفر بعضهم إلى الخارج، ووفاة البعض الآخر، لذا من البديهي أن أستبدلهم بالشباب.

* ما هي الشروط التي ستضعها في اختيار اللجان وعملها؟
أولا أن تبدأ مما انتهت إليه اللجنة التي تسبقها، حتى يتكامل العمل فلا نكون كجزر متباعدة، والأهم أن تنقل تلك اللجان أنشطة المجلس إلى الشارع.

* كتبت منذ فترة، كتاب "أدبيات الكرامة الصوفية" وذكرت أنه إهداء لوالدك الذي علمك وأراك الكرامات، فما هي تلك الكرامات التي رأيتها على والدك؟
أنا تربيت في بيت صوفي، وأميل إلى الصوفية بشكل كبير، وأفتخر بذلك كثيرًا، وأبي أراني كرامته عن طريق علمه الجم الذي نهلت منه قدر ما استطعت؛ حيث تربيت في كنفه على دواوين ابن الفارض، وابن عربي، وكبار المشايخ المتصوفة.

* في رأيك هل يستطيع المتصوفة الحالمون إدارة المناصب العليا في الوزارة أم أنها تستلزم أشخاص عمليين؟
بالتأكيد يستطيع، فلا مجال للعمل دون حلم تقف عليه، والحالمون هم مريدو الخيال وراسمينه، فلا بأس بإدارتهم وتوليهم المناصب العملية.

* تدور بعض علامات الاستفهام حول تاريخك المهني والسياسي، فقد كنت واحدًا من أعضاء الحزب الوطني المنحل، فما العلاقة التي ربطتك بالحزب؟
أنا كنت عضوًا في الحزب الوطني لمدة أربعة أشهر فقط، عندما كان أمين عام الحزب الوطني في محافظتي هو رئيس الجامعة، وكنت أديبًا لكلية الآداب، لذا قلت إن هذا التوجه قد يكون صائبًا أن يختار الحزب الكفاءات وأساتذة الجامعات، لكني تداركت الموقف أثناء الثورة يوم 28 يناير 2011، أرسلت برقية تنص على أني أستقيل.
الجريدة الرسمية