مصر.. وولادة الديمقراطية
تمر مصر بأزمة حقيقية فبعد ثورتين مدنيتين شهد لهما العالم كان من الطبيعي أن تشهد الساحة السياسية ولادة كيان قوي وبيئة سياسة أفضل لقيادة تحول ديمقراطي حقيقي في ظل احتياج الساحة السياسية الملح خاصة أن الشعب أثبت انحيازه الكامل بالدولة المدنية ولكن الأزمة أنه لم يخرج للواقع هذا الكيان مثل اتحاد تضامن في بولندا التي استطاعت أن تضم عشرة ملايين وحققت تحولا ديمقراطيا صحيا لتمرير تداول السلطة بلا هدم مؤسسات الدولة عندما أصبح التغيير ضرورة على عكس ما حدث في روسيا من هدم مؤسسات الدولة.
التجربة البولندية ١٩٨٩ لتأسيس الجمهورية الثالثة حققت نجاحات على أرض الواقع البولندي والفضل لوجود منظمة قوية لم يستطع النظام الشيوعي مقاومتها وقرر التعاون مع معارضة وطنية بناءة وقرر إجراء انتخابات حرة اكتسحت فيها المعارضة بل وكل من فازوا من الحزب الشيوعي عرفوا بميلهم للمعارضة ورغم قوة تضامن مارس الشيوعيين نشاطهم السياسي لبناء الوطن.
ما بين الحالة الروسية والحالة البولندية وأوضح نتيجة الانهيار الاقتصادي الروسي وحل جهاز المخابرات مما دفع رجاله إلى تكوين أقوي مافيا في العالم وأشهر أنشطتها الاتجار في السلاح النووي والرقيق الأبيض.
نعود للحالة المصرية حيث خلفت ثورة يناير تنظيم وحيد قادر على سد الفراغ السياسي ألا وهو الإخوان المسلمين ( وكان متوقعا من الأمريكيين) ومحاولتهم التآمر على الديمقراطية لبناء دولة حكم ديني سلطوي فتحركت الجماهير مرة أخرى في ثورة ٣٠ يونيو وحظت للمرة الثانية بدعم الجيش المصري ولكن الأزمة تكمن في فشل المعارضة الثورية بناء صفوفها والخروج من حالة الهدم إلى البناء ولم يظهر بديل حقيقي لتنظيم الإخوان لملء الفراغ السياسي المصري وعلى سبيل السؤال الجدلي ماذا سيحدث إن استمرت هذه الحالة كثيرًا ومن سينافس الرئيس عبد الفتاح السيسي المرة القادمة وهل سيغازل المرشح القادم تنظيم الإخوان مثلما فعل حمدين صباحي؟!
ما زال التمويل المشبوه وما أثير حول بعض نشطاء يناير أيضًا من تسليمهم الوطن للإخوان بفشلهم السياسي ثم موجة عصر الليمون وأيضا أسلوب هدم الدولة ( كما الحالة الروسية) يجعل الشعب غير واثق في النخبة السياسية ولكن يجب على كل من يهتم بالشأن العام إدراك ذلك وكيفية تجاوزه بوضع ضوابط للعمل السياسي في إطار وطني لتحقيق رؤية التحول الديمقراطي المنشود.
البرلمان على الأبواب وأتمني أن تثمر العملية الانتخابية عن طرح العناصر الأفضل القادرة على ملء الفراغ السياسي على اختلاف أحزابهم لسد الفجوة التي خلفها الإخوان خاصة في الطبقات الفقيرة والأهم قدرتهم على استيعاب مطالب الشعب وما يلاحظ هو قناعة العديد من مرشحي البرلمان ببقاء الوضع على ما هو عليه فيظهر أغلب المرشحين لا يقدموا فكرا مختلفا سوي الاعتماد على شعبية الرئيس بتأييدهم المطلق بلا إضافة لمساعدة الرئيس كمنظومة سياسية مساعدة ويلاحظ نقص الكفاءات المحترمة عن خوض المعركة مع حفنة من مرشحي الإخوان المتخفين وهناك الأزمة في صراع المرشحين المدنيين داخليا ومن الملفت ندرة مرشحي المعارضة وخاصة اليسار في تسليم كامل بعدم قدرتهم على المنافسة وخاصة المادية هذا ولا نغفل حالة الصراع الداخلي في الأحزاب والحركات التي تقوض أي أحلام للتحول الديمقراطي ولا يوجد أحزاب جدية في المعركة إلا القليل من الأحزاب المدنية (التي قدمت وجوها جديدة شابة ) والآخر حزب يتهم أنه حزب ديني كل هذا يؤكد الحاجة لوسط سياسي جديد بعيدا عن كوميديا الأحزاب الكرتونية ويجب ألا نغفل أن للرئيس عبد الفتاح السيسي دراسة ماجستير ٢٠٠٦ عن التحول الديمقراطي في دول الشرق الأوسط حلل فيها التحديات والأدوات المطلوبة بتحليل وفكر مرتب.
إلى كل المهتمين بالشأن العام السياسي نحن أمام حالة ولادة قيصرية للديمقراطية المصرية تحتاج من الرعاية والعناية للجنين بطريقة استثنائية ( الحضانة ) ورؤية إستراتيجية لتحقيق بيئة سياسة وطنية سليمة من المؤيدين والمعارضين لاستيعاب طموح الشعب المصري بتحقيق تحول ديمقراطي يبني هذا الوطن.