رئيس التحرير
عصام كامل

كامل زهيري.. شيخ المجاهدين الصحفيين

كامل زهيري
كامل زهيري

«إذا كانت المحاماة هي الدفاع عن العدل الصغير، وهى أن تأخذ لموكلك حقه، فإن الصحافة هي الدفاع عن العدل الكبير، فمهمة الصحافة الدفاع عن البلد.. كل البلد»، رسالة قوية وجهها «نقيب نقباء الصحفيين» الراحل إلى زملائه، المحسوبين على المهنة وهم يدافعون باستماتة عن نصوص مواد تكبل أبناء صاحبة الجلالة.


وكأن الله اختار لمهنة الصحافة هذا الرجل.. فعقب حصول الطالب «محمد كامل زهيري» على ليسانس الحقوق، اشتغل فترة قصيرة بالمحاماة، ثم سافر إلى باريس لدراسة الآداب، وبعدها إلى الهند.. ثم تحول مسار «زهيري» ليبدأ في أول تجربة له كمذيع في قسم اللغة العربية بالإذاعة البريطانية، وبعدها عاد إلى القاهرة، ليبدأ عمله الصحفى مديرا لتحرير مجلة روز اليوسف، إلى جانب أحمد بهاء الدين، وتحت إشراف السيدة روز اليوسف.

لو كان «نقيب نقباء الصحفيين» بيننا الآن، ما تردد لحظة في الوقوف على سلم نقابة الصحفيين، مدافعًا عن حق زملائه، وعن المهنة التي يحاول البعض امتطاطها، أو «تقليم أظفارها»، وما تردد أن يجهر بصوته، معلنًا رفضه لقانون مكافحة الإرهاب، خاصة المواد التي تنال من حرية الصحفيين، وتساويهم مع الإرهابيين، والقتلة، وتجار المخدرات.

«زهيري» كان نموذجًا للصحفي الفارس النبيل، لم يُضبط يومًا متلبسًا بمهادنة السلطة، ولم يجلس أمام عتبات المسئولين ينتظر منحهم وعطاياهم، ولم يتورط في مجاملة مسئول صغيرًا كان أم كبيرًا، وبالإضافة إلى ذلك فإنه كان حصنًا لزملائه وإخوانه، وأبنائه من شباب الصحفيين، الذين كان يشد من أزرهم، ويساندهم، ويقف في مقدمة صفوفهم، كلما حاولت يد السلطة أن تنال منهم.

«حارس الصحافة الأمين»، لقب استحقه كامل زهيري عن جدارة، ليس لأنه هو الذي صاغ القانون الحالي لنقابة الصحفيين، والذي يضمن لهم حقوقًا نقابية واسعة وحريات ممكنة، وليس لمواقفه المجيدة المدافعة عن حرية الصحافة، بل لأنه كان في مقدمة المدافعين النقابة ذاتها، عندما حاول الرئيس الراحل أنور السادات تحويلها إلى مجرد «نادٍ»، حتى انتصرت الجماعة الصحفية.

وعندما خسر الفاسدون والمستبدون معركة القضاء على «نقابة الصحفيين»، حاولوا اختراقها من باب «خبيث»، بدعوى «تطهير الجدول»؛ بهدف تخلص النظام آنذاك من خصومه الصحفيين، وفي هذه الأثناء تصدى لهم «زهيري» ورفاقه، وأطلق مقولته الخالدة: «عضوية النقابة مثلها مثل الجنسية لايمكن إسقاطها».

جاهد «زهيري» طوال حياته لإلغاء عقوبة الحبس الاحتياطي للصحفيين في قضايا النشر، وكان مبرره أن الحجة القانونية لهذا الإجراء هو تخوف القضاء من إمكانية التأثير على الشهود أو التلاعب في أدلة الثبوت، بينما يوقع الصحفيون بديهيا على ما يكتبونه، وبذلك تنتفي الحجة القانونية للاحتجاز والحبس احتياطيًا بمعرفة جهة إنفاذ القانون.

«زهيري» لم يتخل يومًا عن الصحافة، ولم يهرب من معركة يخوضها الصحفيون، بل كان في مقدمة الصفوف، وحتى عندما اعتلت صحته في أيامه الأخيرة، لم يهجر النقابة، ولم يركن إلى الراحة، بل كان كمحارب مغوار، يكتم آلامه، ويتحامل على نفسه؛ ليفجر حماس شباب المحاربين.

كان الفارس الصحفي النبيل يؤمن إيمانًا جازمًا بأن الصحافة الحقيقية هي التي تقود المجتمع إلى الأمام، صحافة تنام في أحضان الشعب، وتنطق بلسانه، ولا تنام على فراش المسؤولين، وتنطق بلسانهم.

هكذا كان «زهيري» سدًا منيعًا أمام الأفكار القمعية، أمام بطش السلطة، أمام تعسف الحكومة، أمام أفكار الانهزام والانسحاب.. في الوقت الذي كان فيه مدافعًا صلبًا عن كرامة الصحفي، موقنًا أن الوطن الذي يهين الصحفيين، وينال من كرامتهم، لا يستحق العيش فيه.
الجريدة الرسمية