رئيس التحرير
عصام كامل

كلهم كلهم استجاب لهم الله.. إيران وأمريكا وأوربا وتركيا!


الظاهر أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الصفقة النووية الإيرانية مع الغرب، التي رفض الله صلواتها، وهي صلوات محمومة هلوعة جزوعة؛ لإفشال الصفقة التي وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بخطأ تاريخي بالنسبة للعالم.

حسن روحاني، رئيس إيران، فرحان بالاتفاق التاريخي، وقال إن الله استجاب لصلوات الإيرانيين، وباراك أوباما، رئيس أمريكا في النزع الأخير من ولايته الذاهبة، فرحان بما اعتبره معلما بارزا في سياسته الخارجية، حققه له وزير خارجية لحوح كسير العظام، تابع المفاوضات بصبر وهو يمشي بعكازين!.. السلطان العثماني أردوغان فرحان بالاتفاق، وطالب بالتطبيق الكامل له.

ماذا يقول الاتفاق؟!
سيعطل المشروع النووي الإيراني خمسة عشر عاما، ويخفض عدد أجهزة الطرد المركزي اللازمة لتخصيب اليورانيوم إلى الثلثين لمدة عشر سنوات.

وكالة الطاقة الذرية ستفتش المواقع النووية، سيحول موقع ناتانز الشهير إلى مجرد مركز أبحاث علمي، وسيجعل معدل التخصيب عند 3.67%، ما يخلق صعوبة على إيران لتصنيع قنبلتها النووية الأولى، وكانت على بعد شهرين أو ثلاثة.

الاتفاق يبقي العقوبات الغربية على توريد السلاح إلى إيران مستمرة، من خمس إلى ثماني سنوات، وخاصة الصواريخ.

فماذا استفادت إيران إذن بعد كل هذه التنازلات؟
يمكن القول إن أكبر المكاسب حقًا هو المياه التي تدفقت طويلا على مدى ٢١ شهرا، بين الدولة الإيرانية والقوى الكبرى، وخاصة أمريكا، الشيطان الأعظم، في الخطاب السياسي التحريضي لدى المؤسسة الدينية الإيرانية.

تدفق الود أيضًا مع الاتحاد الأوربي، وسوف ترفع عقوبات اقتصادية غربية عن إيران بعد التحقق من التزامها بالقيود المتفق عليها في ١٥ سبتمبر القادم، ولن تقتصر آثار الاتفاق على الشق النووي.

فسوف يفتح أبوابا عديدة في العلاقات الفارسية الغربية، ما قد يلقي بمزيد من أجواء الريبة في سماء دول الخليج العربية، ما لم يبادر الغرب إلى توضيح وتصريح وكشف كل الأوراق، إن أراد حقًا الحفاظ على علاقاته التاريخية التقليدية مع منظومة دول الخليج العربية، وهو ما انعكس سريعًا في تصريح لأوباما، أكد فيه استمرار تعزيز أمريكا لأمن دول الخليج ومواجهة أي عدوان لإيران عليها. 

ومن المؤكد أن التصريح هدفه بث الطمأنينة في الرياض، لكن الواقع يحتاج إجراءات عملية، تهرول إليها روسيا؛ دعمًا لعلاقات تنمو في هدوء وثبات وعطاء مع المملكة.. اعترف الاتفاق بالحرس الثوري الإيراني، رغم أن البيان الأمريكي وصفه بالإرهابي!!

من ناحية أخرى، يعكس التوصل إلى الاتفاق، أداء منسجما لروسيا والغرب، بعد شهور من الشد والجذب، وتبادل المناطحة في مواقع المصالح المتعارضة من سوريا إلى أوكرانيا، فقد تعاونت روسيا نصيرة إيران، وبانية مفاعلاتها النووية، ومصدر تسليحها الرئيسي، مع واشنطن والاتحاد الأوربي، في كبح جماح المشروع النووي الفارسي، وإعادة دمج إيران في العملية السياسية الدولية.

ولا شك أن المفاوضات قدمت طهران بوصفها دولة يمكن أن تخضع في نهاية المطاف، لكن ما نتج عن التفاوض من اتفاق سوف يلجم إسرائيل عن شن أي هجوم عسكري بدعوى القضاء على القنبلة النووية الإيرانية في المهد!

لقد أصبحت إيران تحت حماية الدول الست الكبرى، في مواجهة أي مغامرة عسكرية إسرائيلية.

تبقى ستون يوما ليراجع فيها الكونجرس نصوص الاتفاق، ليوافق أو لا يوافق، وهي فترة كافية ليحشد فيها نتنياهو أنصار إسرائيل داخل الكونجرس، ضد أوباما الذي تعهد بدوره، برفض أي تشريع يصدر عن الكونجرس برفض الاتفاق مع إيران.

من ناحية أخرى، سوف يكون على الرئيس حسن روحاني أن يتحقق، من أن الله استجاب لصلواته وصلوات الإيرانيين، من خلال مباركة علي خامنئي المرشد الأعلى للدولة الإيرانية، وهذه مضمونة تقريبًا؛ لأن الاتفاق ما كان ليتم بدون الرجوع إليه والمراجعة معه وعليه، طوال العشرين شهرا، مدة التفاوض المتقطعة، والسبعة عشر يومًا المتصلة في فيينا.

المشكلة سوف تكون مع التيار الإصلاحي في إيران، لكن القمع كفيل بابتلاع الألسنة التي صلت ألا يتم الاتفاق.

كيف ستتعامل دول الخليج مع أمريكا وأوربا، بعد حصول الدفء والتقارب مع إيران داعمة الإرهاب، محرضة الشيعة داخل دول مجلس التعاون الخليجي؟!

ذلك هو السؤال، وإجابته لدى الرياض ودبي والكويت.
الجريدة الرسمية