رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو.. اختلاف العلماء حول«أصحاب الأعراف».. أبو سعيد: شهداء عصوا أباءهم.. الزجاج: أصحاب صغائر لم تكفر عنهم بالآلام والمصائب في الدنيا.. ابن مسعود: تساوت حسناتهم وسيئاتهم ويقفون بين الجنة

فيتو

اختلف العلماء في تعيين أصحاب الأعراف، وفي السبب الذي صاروا به موقوفين على الأعراف، كما أخبر الله تعالى عنهم، فهناك اختلاف وآراء متباينة عن أصحاب الأعراف، وعن معنى الأعراف.


وأصحاب الأعراف هم من قال فيهم الله تعالى "وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون (46) وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين (47).. سورة الأعراف.

مساكين أهل الجنة

يذكر ابن مسعود وكعب الأحبار، وابن عباس أنهم مساكين أهل الجنة، حسب الموسوعة العقدية للداعية علوي عبد القادر السقاف.

وأخرج الطبري عن ابن عباس أنه قال: "الأعراف سور بين الجنة والنار، وأصحاب الأعراف بذلك المكان، حتى إذا بدا لله- هكذا بالأصل- أن يعافيهم، انطلق بهم إلى نهر يقال له: الحياة، حافتاه قصب الذهب، مكلل باللؤلؤ، ترابه المسك، فألقوا فيه، حتى تصلح ألوانهم ويبدو في نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها، حتى إذا صلحت ألوانهم، أتى بهم الرحمن، فقال: "تمنوا ما شئتم، قال: فيتمنون، حتى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم: لكم الذي تمنيتم ومثله سبعين مرة، فيدخلون الجنة وفي نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها، يسمون مساكين الجنة".

ويقول رأي آخر من الفقهاء والعلماء إنهم قوم صالحون، وينسب هذا القول إلى مجاهد، وهذه صفة مدح لهم، غير أنه جاء في التفسير المنسوب إلى ابن عباس أن هؤلاء كانوا شاكين في الرزق، وهذه صفة ذم، وقد وصف ابن كثير هذا القول بأن فيه غرابة.

وذكر المهدوي أنهم الشهداء، وعزاه الشوكاني إلى القشيري وشرحبيل بن سعد.

وذكر أبو نصر عبد الرحمن بن عبد الكريم القشيري، وعزاه الشوكاني إلى مجاهد، أن أصحاب الأعراف هم فضلاء المؤمنين والشهداء، فرغوا من شغل أنفسهم، وتفرغوا لمطالعة أحوال الناس.

شهداء عصاة

ويقول شراحبيل بن سعد، أنهم المستشهدون في سبيل الله، الذين خرجوا عصاة لآبائهم.

ويروى عن أبي سعيد أنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف فقال: "هم رجال قتلوا في سبيل الله وهم عصاة لآبائهم، فمنعتهم الشهادة أن يدخلوا النار، ومنعتهم المعصية أن يدخلوا الجنة، وهم على سور بين الجنة والنار، حتى تذبل لحومهم وشحومهم، حتى يفرغ الله من حساب الخلائق، فإذا فرغ من حساب خلقه فلم يبق غيرهم، تغمدهم منه برحمة فأدخلهم الجنة برحمته".

وقد ذكر الرازي، أن القول الذي يجعل الأعراف، عبارة عن الرجال الذين يعرفون أهل الجنة وأهل النار، يعود أيضًا إلى قول من يجعل الأعراف، عبارة عن الأمكنة العالية، على السور المضروب بين الجنة وبين النار؛ لأن هؤلاء الأقوام لابد لهم من مكان عال يشرفون منه على أهل الجنة وأهل النار.

وذكره الزهراوي، واختاره النحاس، أنهم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم، وهم في كل أمة، وقال العلامة محمد رشيد رضا: "فكما ثبت أن كل رسول يشهد على أمته، وأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم شهداء على جملة من الأمم بعده، ثبت أيضًا أن في الأمم شهداء غير الأنبياء عليهم السلام، قال الله تعالى: "فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا" سورة النساء.

وهؤلاء الشهداء هم حجة الله على الناس، في كل زمان بفضائلهم واستقامتهم على الحق والتزامهم للخير وأعمال البر.

صغائر الذنوب

وقال الزجاج عن أصحاب الأعراف أنهم قوم أنبياء، "يجعلهم الله تعالى على أعالي ذلك السور، تمييزًا لهم على الناس، ولأنهم شهداؤه على الأمم، وقد أورد الرازي في تفسيره- بعد ذكر هذا القول- أن هذا الوجه لا يتفق مع معنى الآية: "لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ"، أي لم يدخلوا الجنة وهم يطمعون في دخولها، وهذا الوصف لا يليق بالأنبياء والملائكة والشهداء.

وحكي ابن عطية القاضي أبو محمد في تفسيره، أنهم قوم كانت لهم صغائر لم تكفر عنهم بالآلام والمصائب في الدنيا فوقفوا، وليست لهم كبائر فيحبسون عن الجنة لينالهم بذلك غم، فيقع في مقابلة صغائرهم.

وذكر ابن وهب عن ابن عباس، قال: "أصحاب الأعراف الذين ذكر الله في القرآن، أصحاب الذنوب العظام من أهل القبلة، وذكره ابن المبارك، قال: "أخبرنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: "أصحاب الأعراف رجال كانت لهم ذنوب عظام، وكان جسيم أمرهم لله، فأقيموا ذلك المقام، إذا نظروا إلى أهل النار، وعرفوهم بسواد الوجوه، قالوا: "ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، وإذا نظروا إلى أهل الجنة عرفوهم ببياض وجوههم".

ويروي آخرون "أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فجعلوا هناك إلى أن يقضي الله فيهم ما يشاء، ثم يدخلهم الجنة بفضل رحمته إياهم، ويعزى هذا القول إلى ابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وابن عباس، والشعبي، والضحاك، وسعيد بن جبير، فمما يعزى إلى حذيفة بالسند، ما أخرجه الطبري عن الشعبي أنه قال: "أرسل إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن، وعنده أبو الزناد، وعبد الله بن ذكوان مولى قريش، وإذا هما قد ذكرا من أصحاب الأعراف ذكرًا ليس كما ذكر.

فقلت لهما: "إن شئتما أنبأتكما بما ذكر حذيفة، فقالا: هات، فقلت: إن حذيفة ذكر أصحاب الأعراف فقال: هم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، فإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار، قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، فبيانهم كذلك اطلع إليهم ربك تبارك وتعالى فقال: اذهبوا وادخلوا الجنة، فإني قد غفرت لكم.

تساوي الميزان

ومما يعزى إلى ابن مسعود، ما أخرجه الطبري عن سعيد بن جبير عن ابن مسعود، قال: "يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار، ثم قرأ قول الله: "وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم" الأعراف.

ثم قال: "إن الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح، قال: فمن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف، فوقفوا على الصراط، ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا: سلام عليكم، وإذا صرفوا أبصارهم إلى يسارهم ونظروا إلى أصحاب النار، قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، فيتعوذون بالله من منازلهم.

ويقال إنهم مؤمنو الجن، وهناك من يقول إنهم قوم كانت عليهم ديون.

ويذكر السيوطي حديثًا يعزوه إلى البيهقي، في رفع القول الأول إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال "عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن مؤمني الجن لهم ثواب وعليهم عقاب فسألناه عن ثوابهم فقال: على الأعراف وليسوا في الجنة مع أمة محمد، فسألناه: وما الأعراف؟ قال: حائط الجنة تجري فيه الأنهار، وتنبت فيه الأشجار والثمار".

أما القول بأنهم قوم عليهم ديون فهو ما يعزى إلى مسلم بن يسار، قال قتادة: "وقال مسلم بن يسار: قوم كان عليهم دين"، ومنها القول بأن أصحاب الأعراف هم أهل الفترة، وأنهم أولاد المشركين الذين ماتوا قبل سن التكليف.

ومنهم من قال إنهم أهل العجب بأنفسهم، ويعزى هذا القول إلى الحسن، أو أنهم آخر من يفصل الله بينهم، وهم عتقاؤه من النار.
الجريدة الرسمية