إحنا أسفين يا جاموسة!
وبمناسبة المستحيل، فإن شخصًا يدعى الحاج محمد، يبلغ من العمر خمسين عامًا، وأخذ قرضًا من البنك، وافتتح مشروعًا، ولم ييأس.. وحاليًا هو في السجن لأن المشروع فشل.. هههههههههههههه.. هذه نكتة يتداولها بعض نشطاء موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» على سبيل السخرية، ولكن هذه النكتة تحققت على أرض الواقع.
هل تتذكرون إعلان مشروع جمعية الأورمان «الخيرية»، تحت مسمى «الجاموسة العُشر»، أو «جاموسة الخير»، وصدعتنا، ولا تزال بحملات إعلانية ضخمة في كل وسائل الإعلام، تحثنا على التبرع من أجل اليتامى والأرامل والمرضى؟ هذا المشروع «الخيري» أصبح- حاليًا- سيفًا مسلطًا على رقاب الفقراء والمعدمين، الذين صدقوا أن «البهايم» من الممكن أن تأخذ بأيديهم إلى عالم الثراء، أو على الأقل تنقلهم إلى مستوى «الصفر» وليس تحت خطه!
أكثر من عشرين سيدة في محافظة أسيوط، كن ضمن المستفيدات من «جاموسة الخير»، ووقعن على إيصالات رسمية باستلام الجاموسة، والالتزام برعايتها، وتدليلها، ومعاملتها كأولادها، والتعهد بعدم مضايقتها، ومنع الأطفال من الاقتراب منها.. لكن من تدابير القدر أن الجاموسة «نفقت»- ماتت يعني- بعد كام شهر من استلامها؛ فرفعت «الأورمان» عليهن دعاوي قضائية، وحصلت على أحكام ضدهن بـ«الحبس وغرامة تصل إلى عشرة آلاف جنيه»!
«الجاموسة» تحولت من «نعمة» إلى «نقمة»، وبدلًا من أن تكون عونًا للأرامل، باتت سبب حبسهن، وبدلًا من أن تكون مصدرًا لسعادتهن وهنائهن، أمست سبب شقائهن، ومطاردتهن، وتشردهن في الدروب والجبال؛ حتى لا يتم القبض عليهن، ويكون مصيرهن خلف القضبان، مع القتلة، والمجرمين، وتجار المخدرات، والعاهرات!
الأغرب من ذلك كله أن العميد حسن الشاذلي، مدير جمعية الأرمان بأسيوط، أكد أن إحدى السيدات اللائي صدرت ضدها أحكام بالحبس والغرامة، اشترت جاموسة بدلًا من التي «ماتت»، وبدأت هذه السيدة إجراءات الاستئناف ضد الحكم، وسيتم التنازل عن القضية قريبًا.. فهل يعلم سيادته من أين أتت هذه السيدة بالأموال لشراء جاموسة بديلة، وهي في الأصل «مش لاقية تاكل»؛ ولذلك اشتركت في مشروع الأورمان؟
ثم، وهذا هو الأهم، أين كان ضمير مَنْ أصدر الأحكام ضد هؤلاء.. ألم يقرأ أوراق القضية؟ ألم يعرف أن سبب نفوق «الجواميس»، نتيجة الإصابة ببعض الأمراض؟ ألا يعلم سيادته أن لا أحد يستطيع دفع مرض، ولا منع الوفاة؟
موقف هؤلاء الغارمات يكشف لك كيف تتم معاملة الشرفاء الفقراء في بلادنا.. يُتاجر الكبار بهم.. يتاجرون بمشاكلهم.. يتاجرون بآمالاهم وأحلامهم.. يتاجرون بآلامهم.. يتاجرون بموتهم.. ولو كانوا أحد «الحرامية الكبار»، ما أُهينوا، و«فداهم ألف جاموسة»!
المشكلة ليست مشكلة جمعية، المشكلة في الحكومة التي انسحبت من المشهد في مجالات كثيرة، في الصحة، والتعليم، والإسكان، والرعاية الاجتماعية.. وتركت المجال لبعض «المتاجرين» و«المقامرين»، يلعبون على مشاعر البسطاء، يغرسون لهم أشجارًا على الماء، يبنون لهم قصورًا على الرمال.
المشكلة الأخطر- يا سيدي- في وطنٍ الجاموسة فيه أهم ألف مرة من بني آدم.. المشكلة في «البهايم» التي ماتت.. فهيا بنا ندشن حملة: «إحنا أسفين يا جاموسة»!