رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو والصور.. سكان "المقابر" يقتسمونها مع الأيتام.. يصبحون ويمسون على الأوجاع.. ويقرُّون: الأموات فى راحة.. حفينا على المحافظة ومش هنبيع أصواتنا تانى فى الانتخابات.. ويومنا ينتهى بعد صلاة المغرب

فيتو

صرخات تتصاعد، وآهات تدوى بين مقابر باب النصر بالجمالية، الذى يقطنها الأهالى الذين لم تنصفهم الدولة فى توفير مساكن لهم، واتخذوا أحواش المقابر مأوى لهم يقتسمونها مع الأيتام، ويقتنعون أن الأموات فى راحة عنهم.

مع بداية كل يوم لهم يودعون حياة آخرين، بالرغم من ذلك يملأ الأمل قلوب أطفالهم، فطالما ارتسمت البراءة على ملامحهم وبالرغم من كل مصاعب الحياة إلا أن هذا لم يمنعهم من الحلم بمستقبل واعد.
"نفسى أطلع محامية لأدافع عن حقوق الناس".. حلم بسيط تسعى إليه "حبيبة" تلك الطفلة التى لم تصل إلى العاشرة من عمرها، والتى تصمم على هذا الحلم حتى تستطيع الدفاع عن أصحاب الحقوق وأهلها من سكان المقابر.
"فيتو" تجولت فى المقابر بحثا عن مسئول ينظر لمعاناتهم فى الحياة اليومية، كيف تكيفوا على المعيشة وسط الأموات؟ كيف يأكلون أو يشربون، أو يحلمون أو يسعدون أو يربون أبناءهم؟ قد تجيب ثنايا التحقيق التالى عن تلك الأسئلة.
فى البداية تقول "أم أحمد" إنها لم تكن من قاطنى المقابر فى الأساس، ولكن بعد أن تم طردها من شقتها بموجب قانون الإيجار الجديد، لم تجد هى وأسرتها سوى المقابر ليعيشوا فيها بدلا من الشارع.
نضع فى الاعتبار ما يثار من روايات عن الأشباح والعفاريت التى تظهر فى المقابر ليلا، فأجابت "أم أحمد": فى الأول كنت مرعوبة بعد كدة اتعودت لأنى مضطرة، واقتنعت أن العفريت ماهو إلا ابن آدم.
وأضافت أن الحياة صعبة للغاية فى المقابر، لافتة إلى أن صغارها فى بداية انتقالهم للعيش هناك كانوا يستيقظون من أحلامهم البريئة كل صباح على صراخ وعويل يطلقه أسر وذوى الأموات حزنا على موتاهم عند دفن الموتى، وهو ما كان يسبب حالة من الفزع لصغارها إلى أن اعتادوا الأمر.
تنقلت "فيتو" بين جنبات المقابر لتعترض "سيدة مسنة" بلغت من العمر أرذله طريقنا، رفضت ذكر اسمها حفاظا على سمعة أبنائها، وأكدت أنهم من بعد الثورة يعانون من الانفلات الأمنى، خاصة بعد أن أصبحت المقابر مأوى لـ"أوكار البلطجية ومتعاطى المخدرات"، مشيرة إلى أنهم عقب صلاة المغرب يوميا يدخلون أحواشهم ويغلقونها بإحكام حيث يمر البلطجية بالليل مدججين بالأسلحة النارية.
وأشارت "المسنة" إلى أن أبنائها خريجى جامعات ومتزوجون من أشخاص أصحاب مناصب مرموقة، لذلك فضلت عدم ذكر أسمائهم؛ لأن أبنائها يستحون من سكنهم بالمقابر.
وتسائل "عم سالم" الذى يعيش فى المقابر منذ 70 سنة -ومدون عنوانه على بطاقته الشخصية- "لماذا تنكر الحكومة حقوقهم فى السكن وهو أقل المطالب"، موضحا أنه من محاربى 6 أكتوبر.
وأضاف أن الثورة لم تنصف الفقير ولم تحقق العدالة الاجتماعية، وإنما حققت مكاسب سياسية لأصحاب المصالح، مطالبا الدكتور أسامة كمال محافظ القاهرة، بتوفير وحدات سكنية لهم تأويهم من حرارة الصيف وبرودة الشتاء ومن بلطجية المخدرات.
وعلق: "حرام اللى بيحصل فينا، إحنا مش هنبيع أصواتنا تانى لبتوع الانتخابات اللى مش بنشفهم غير ساعتها".
وأشارت "وردة" التى لم يمر على زواجها شهر إلى أنها فى الأصل من قاطنى المقابر، وعند زواجها لم يجد عريسها سوى أن يتخذوا حوشا لهم عشا للزوجية بسبب غلاء أسعار الشقق، موضحا أنهم يعانون من عدم وجود دورات مياه حيث يقضون حاجتهم فى "جرادل" ويغسلون وجوههم وأجسادهم فى الجامع، ويعيشون على الصدقة.
"أم على" روت لنا أنهم مهددون من حين لآخر بالطرد من أصحاب الأحواش، الذين ينزعجون من وجودهم، بالرغم من أنهم لا يأتون للمقابر سوى لدفن أمواتهم والزيارة فى الأعياد والمواسم.
وأضافت أنهم لم يقطنوا المقابر إلا بعد فشل محاولاتهم فى الحصول على وحدة سكنية من محافظة القاهرة، قائلة: "حفينا على المحافظة واتعَمَلِّنا بحث كتير.. من غير فايدة".
الجريدة الرسمية