رئيس التحرير
عصام كامل

نحارب الفساد أم الإرهاب أولًا؟


تبدو إرادة الحكومة والمنظمات والأفراد في محاربة الفساد عبر إستراتيجيات معلنة أو مبادرات تشابكية أو اجتهادات شخصية، متراجعة في مناخ عام لا يبشر بغير إبقاء الحال على ما هو عليه رغم ثورتين، ومع تعقد المشهد بإضافة عنصر إفساد مجتمعي وسياسي جديد للحياة في مصر اسمه جماعة الإخوان، بات الحديث عن محاربة الفساد نوعا من الرفاهية، بجانب الحشد الجبار الممنهج تجاه محاربة الإرهاب "المسلح".


ورغم أن الفساد والإرهاب عنصران غير منفصلين عن أي مجتمع عاجز عن التطور بفعل طفيليات مراحله الانتقالية المتزايدة وحساباتها المعقدة، إلا أن أصواتا أعلى من المتوقع تريد استبعاد أهداف قومية أساسية لحساب سبب تبدو بعض جوانبه مجرد نتائج طبيعية للفساد، مقابل تراجع ملحوظ لمبادرات محاربة الفساد والإبلاغ عن جرائمه أو الحديث عنه صحفيا وإعلاميا.

وإذا كانت حكومتنا فرحة بما تشير إليه التقارير الدولية بشأن حضور مصر في المرتبة الرابعة والتسعين ضمن الدول المشار إليها بمؤشرات مدركات الفساد العالمية، وهي مرتبة متدنية تفضح تأخر دور أجهزتها الرقابية وضعف تشريعاتها الموروثة من زمن مبارك، التي حافظ الإخوان عليها؛ خدمة لمصالحهم وفسادهم الملتحي، فإن أخطر ما يغيب عن مجتمعنا آلية حساب لحكومات انتقالية سلبت لنفسها صفة "تأسيسية"، وبينها حكومة محلب بتعديلاتها وقبلها حكومة الببلاوي.

فمنذ 11 فبراير 2011، لم نسمع عن عملية استرداد حقيقية واحدة لأموال مهربة في الخارج أو الداخل اللهم سوى تحفظات على أموال شركات بقضية كبرى بحجم "حيتان الصحراوي"، وعدد من الإجراءات القانونية المتباينة التي أعادت حفنة ملايين معقدة لخزينة الدولة، أوقفت بعضها ثغرات قانونية فادحة، وتحفظات أخرى على أموال حرام للإخوان تورط أصحابها حسب لجنة مشكلة بعد حكم قضائي بحظر التنظيم وتصفية مؤسساته وشركات قياداته، في تمويل عمليات الإرهاب وإفساد العملين المجتمعي والدعوي والعملية التعليمية.

ورغم إقرار مؤشرات الداخل والخارج بتفشي الفساد في أجهزة المحليات، إلا أن كل الحكومات الانتقالية تجاهلت انتخاب مجلس حكم محلي لمراقبة المحافظين والأحياء، وميزانياتها الضخمة وقراراتها المتحايلة على القانون.

ولم تتخذ إجراءات حقيقية على المستويين التنظيمي والتشريعي، تعيد هيكلة الجهاز الإداري للدولة وتغير مفاهيم ستة ملايين ونصف المليون موظف داخله، تحول أغلبهم إلى "حكومات فردية" داخل مكاتبهم.

ومع انتشار نغمة "المسئول يعد أصابع يديه مع توقيع أي قرار خشية مقاضاته"، والترويج لأكذوبة سخيفة تزعم أننا نعيش مرحلة "حرق الشخصيات النزيهة داخل المناصب العليا بالدولة"، إلا أن الشعور العام بالتراجع عن أهداف وشعارات ثورتين، عززته حالة اليأس لدى قطاعات حولت قناعاتها باتجاه شعار "الفساد للجميع"، مستندة إلى ميراث ثقافي وتربوي يسكن العقل الجمعي والباطن جراء سياسات زمن مباركي، تحول فيه نظام الحكم من فاسد إلى مفسد.

نفس الأمر ينطبق على النخب التي تبحث لها عن دور عائد بأشكال مختلفة، عبر تأييد سلطة بزعم الاصطفاف في مواجهة الإرهاب، أو الاندماج في تحالفات تضمن بها استمراريتها على الساحة، وأحزاب يحكمها المال ومؤسسات إعلامية تديرها جماعات المصالح غير الوطنية، ليقف المواطن أمام خيارات الموت قهرا أو تطوعا بصفوف الإخوان وداعش، أو الانخراط في عمليات فساد وإفساد تضمن بقاءه على قيد الحياة ولو بصفة "نملة"، وسط جدلية نخبوية عقيمة حول القبول بانتهاكات ممنهجة في مواجهة ظروف استثنائية.

يا عزيزي كلنا فاسدون، أطلقها الراحل أحمد زكي حينما وقف "ضد الحكومة"، ولم يستثن نفسه، فصارت بعدها المثالية تجلب الجوع والفقر، وأصبح الشرف مشروطا في عقود احتراف تحررها قوى الإفساد للنابغين، دون وعي بحقيقة أن مستقبل مصر بات معطلًا بجرائمنا وأفعالنا، وسمعتها بالتقارير الدولية، التي تحصي انعدام الشفافية وتزوير الإرادة وفساد الإعلام والتشريع إلى جانب الرشوة، في تراجع، وخططها الاقتصادية كافة تتعطل بأيادينا، ولا فرصة وحيدة تُمنح للمنادين بالإصلاح، في ظل حرب بين مفسدين يحتمون بمنظومة تشريعية، وإرهابيين يطلقون الرصاص.
الجريدة الرسمية