الاحتمال الغائب.. عملية القنصلية استهدفت شخصية مهمة!
ما الذي يدقع تنظيما مجرما مثل داعش ليفجر مبنى مهجورا لدولة أوربية؟.. وما الذي يدفع تنظيما إرهابيا مثل داعش ليفجر مبنى مهجورا وفي يوم إجازة؟.. وما الذي يدفع تنظيما إرهابيا أن يفجر مبنى مهجورا وفي يوم إجازة وفي السادسة صباحا والشوارع خالية تقريبا؟.. وما الذي يدفع مندوب تنظيم إرهابي كبير أن يقف بسيارة الجريمة في الممر الضيق جدا المتعامد على شارع الجلاء وليس شارع الجلاء نفسه؟.. وما الذي يدفع تنظيما إرهابيا يريد أن يفجر مبنى مهجورا لا قيمة له فيوفر للعملية كل هذه الكمية من المتفجرات ونصفها أو ربعها يكفي؟.. هل يؤمن "داعش" بحرمة دماء الأبرياء؟.. هل يخشى "داعش" من وقوع عدد كبير من الضحايا فأدار جريمته بهذه الطريقة؟.. لا.. هي الإجابة الطبيعية لكل الأسئلة السابقة!
الآن نسأل بجدية وقد ذهبت الصدمة.. ماذا كانت تريد العملية الإرهابية أمس تحديدا؟
الاحتمالات المنطقية تقول إن داعش إن أراد الانتقام من الدولة المصرية، فالهدف المنطقي هو وزارة الخارجية التي تقع على بعد أمتار من المبنى الإيطالي أو مبنى آخر لا يقل أهمية عن الخارجية هو مبنى التليفزيون المصري، وهو على بعد دقيقة واحدة بالسيارة في هذا التوقيت من اليوم من مكان الحادث، بينما عدد من الوزارات ومبنى مجلس الوزراء نفسه ومعه مقرات مجلسي الشعب والشورى والهيئة العامة للطرق على بعد 5 دقائق من مكان الحادث في هذا التوقيت أيضًا، وكل هذه الأماكن لها ظهير خلفي يمكن ترك السيارة به وتفجيرها عن بعد بما فيها مبنى التليفزيون، بل إن الشوارع المؤدية للتليفزيون غير مغلقة!
كثيرون يقولون إن داعش أراد الشوشرة والقول إن مصر بلد غير آمن.. وبعضهم انساق فعلا وراء صفحات الإخوان وراح يصرخ أن السياحة "ضاعت" أو أن احتفال قناة السويس لن يتم!!!
ونقول: إن المجرم كانت أمامه الفرصة لشوشرة أكبر مصحوبة بوجع للدولة المصرية لو اختار مكانا آخر من الأماكن السابقة.. كما أن السياحة كانت ستتأثر لو ذهب للمتحف المصري وكان على بعد نصف دقيقة من المكان!
آخرون يقولون إن الإخوان هددوا بتفجير مصالح غربية وأجنبية!.. ونقول نعم.. كان التهديد في فبراير، ويبدو أنهم تخلوا عن الفكرة؛ لأنها ستكسب مصر تضامنا أكبر ويجعل لحربها على الإرهاب مشروعية قانونية وأخلاقية أيضا، كما أن استهداف مبنى لا معنى له ينفي ذلك أيضًا!
إذن ما الاحتمال الغائب عن الجميع حتى الآن؟.. لا يبقى بعد استبعاد احتمال فشل المجرم في الاقتراب من مبنيي الخارجية والتليفزيون؛ ليقظة الحراسة، إلا القول إن السيارة كانت تنتظر شخصية مهمة اعتادت أن تمر بالقرب من المكان إلى إحدى المؤسسات الكبرى الموجودة في مربع وسط القاهرة كله، وأن خط سيرها معروف، وأنها وطبقا للأداء الحكومي، فقد كانت ستمر خلال ساعة أو أكثر قليلا من المكان، وأن السيارة كانت ستنفجر في لحظة اقترابها ولكن سبب ما أو خطأ ما - والحمد لله - عجل بانفجارها في مكان انتظارها وليس المكان الذي استهدفته!
عملية الأمس فشلت تمامًا رغم الضجة التي أثيرت عمدا من الإعلام الخارجي، ولكن ربما كان في إثارتها هكذا فائدة لمصر التي كسبت دعما لا مثيل له، وجعلت زيارات السيسي لأوربا ولألمانيا تحديدا يكتمل نجاحها أمس!