الخطل والاستعباط
لن أعيد ما يعرفه الجميع من قول الرئيس أن الدستور سيكون توافقيا يرضى جميع الأطراف، ثم ما جرى بعد ذلك من إسراع فى التصويت على مواد الدستور، واتهام المنسحبين من لجنة وضع الدستور بأنهم معطلون، ووافقوا من قبل على كل شيء، ثم تقديم الدستور للرئيس الذى كالعادة لم يلتزم بما وعد، وأجرى الاستفتاء، وكانت النتيجة مضحكة؛ موافقة على الدستور بنسبة 55% وهى نسبة لا معنى لها قياسا على معنى الدستور، أى دستور.
لكن ما هو مذهل هو ما جرى بعد ذلك من خروج على هذا الدستور الأعرج، وبصفة خاصة فيما يخص حق المتهمين عند القبض عليهم، وما جرى بعد ذلك من اعتقالات تمت على الطريقة النازية لأشخاص أبرياء أو مرصودين لنشاطهم على الإنترنت المنتقد لما يفعله الإخوان المسلمون، وتعذيبهم وقتلهم والإلقاء بهم فى الطرقات.
ولكن المضحك هو التعديل الذى جرى على رقابة المحكمة الدستورية على القوانين ودستوريتها، كان من قبل يتم بعد إصدار القوانين، وتم تعديله ليكون قبل إصدارها، وكان أول عمل للمحكمة الدستورية بعد تطبيق الدستور عليها واختصار أعضائها هو نظرها فى دستورية قانون الانتخابات، حيث قضت المحكمة بعدم دستوريته، والذين وضعوا القانون أغلبهم شارك من قبل فى وضع الدستور –لا حول ولا قوة إلا بالله- وأعيد الدستور إلى مجلس الشورى الذى أعطاه الإعلان الدستورى المؤقت حق التشريع، رغم أنه مشكوك فى دستورية قانون انتخابه، ومعروف أن أغلبيته جاءت بنسبة تافهة من أصوات الناخبين الأصليين لا تتجاوز سبعة بالمائة، ورغم ذلك كله قام المجلس المزعوم بتعديل الدستور، وتجاهل إعادته مرة أخرى للمحكمة الدستورية قبل سريانه - يا نهار إسود- حدث هذا ومعروف أن أغلب أعضاء مجلس الشورى كما قلت شاركوا فى وضع الدستور.
شيء مضحك ومثير للأسى، كان عاديا جدا أن يرفع بعض المحامين المحترمين وغيرهم قضايا فى القضاء الإدارى لبطلان القانون بعد تعديله؛ لأنه لم تتم إعادته للمحكمة الدستورية مرة أخرى قبل تنفيذه، كما ينص الدستور الذى وضعوه لتكون الرقابة مسبقة على القوانين، هل ضحكت أيها القارئ، أم قرفت؟ ماذا يفعل هؤلاء الناس؟
أى نوع من الاستعباط علينا والاستخفاف بنا؟ هل هم حقا لا يعرفون ماذا يفعلون؟ هم الذين وضعوا الدستور وهم الذين لا يحترمون الدستور، وهم الذين شنوا حربا على من يريد تعديله، وصرخوا فى كل الفضائيات أنهم يريدون للسفينة أن تتحرك.
من الذى يعطل السفينة إذن الآن؟ هل نسوا ما قرروه فى الدستور أم ندموا على ما قرروه أم قرروا إدمان الانفراد بالرأى وتصوروا أن الناس نسيت الدستور؟ وتخرج رئاسة الجمهورية علينا تقرر أنها تحترم القوانين والقضاء، ومن ثم ستؤجل الانتخابات، ولن أحدثك طبعا عن الانتخابات التى كانت، أيضا ستكون عرجاء لمقاطعة جبهة الإنقاذ، ما هو شكل الذين قرروا خوضها مع الإخوان والنبى دلوقت؟ البعض يقول إن هذا الحكم أنقذ جماعة الإخوان لأن تأجيل الانتخابات فيه مصلحة لهم والدنيا مشتعلة ضدهم الآن، وبصرف النظر عن ذلك هل كانوا يتوقعون حقا الحكم بتأجيل الانتخابات، طبعا لا.
هم يتصورون أن مافعلوه دستورى، هم فى الحقيقة لا يفهمون فى الدستور، ولا حتى الدستور الذى وضعوه، ويتخبطون تخبطا شديدا أساسه أنهم لا يرون غيرهم فى هذا الوطن، ولا يريدون أن يروا غيرهم، ولا يريدون أن يتعلموا ويضيعون وقتنا ووقت الوطن الذى لا يعرفون قيمته، ويتصورون أنهم صاروا مُلّاكه الوحيدين.
هذا "خَطَل" لم تعرفه مصر فى تاريخها الحديث لا قبل ثورة يوليو 1952، ولا بعدها أيام الديكتاتورية التى صار الناس يحلمون بها الآن، والمدهش جدا أن هذه الأخطاء كلها فى أشياء أسهل من السهولة، وضعتم دستورا جعل الرقابة الدستورية سابقة، فما معنى أنكم لا تلتزمون بذلك، ما معنى أنكم لا تعرفون معنى ذلك، لا تفسير إلا الخطل والاستعباط للأسف الشديد.