رئيس التحرير
عصام كامل

وفاة الأمير سعود الفيصل مهندس الدبلوماسية السعودية.. عميد وزراء خارجية العالم.. دبلوماسي بارع شهد خلال حقبة عمله أزمات عدة في المنطقة..وعاصر كامب ديفيد وانتقد غزو العراق وشوكة في ظهر إسرائيل

 الأمير سعود الفيصل
الأمير سعود الفيصل بن عبد العزيز آل سعود

انتقل إلى رحمة الله تعالى الأمير سعود الفيصل بن عبد العزيز آل سعود وزير الخارجية السابق، ويعد الأمير سعود الفيصل أقدم وزير للخارجية في العالم، إذ تولى حقيبة الخارجية السعودية منذ عام 1975، بما يعني أنه قاد السياسة الخارجية السعودية منذ 40 عامًا.


وكان الفيصل قد تخرج في جامعة برنستون بولاية نيوجيرسي بالولايات المتحدة عام 1964، حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد، ليتولى العديد من المناصب الإدارية في وزارة البترول، منها عمل مستشارًا اقتصاديًا لها وعضوًا بلجنة التنسيق العليا، قبل أن ينتقل إلى المؤسسة العامة للبترول والمعادن، وفي عام 1970 تم تعيينه وكيلًا لوزارة البترول والثروة المعدنية.
وفي عام 1975، صدر مرسوم ملكي بتعيينه وزيرًا للخارجية، عقب وفاة والده الملك فيصل وأهله لذلك أتقن 7 لغات إلى جانب اللغة العربية، منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والإسبانية والعبرية.

عميد وزراء الخارجية

قضى الأمير سعود الفيصل أقدم وزراء الخارجية في العالم الذي أعفي من منصبه "بناءً على طلبه" بعد نحو 40 عامًا في تمثيل المملكة العربية السعودية منذ عام 1975، وترك المنصب في وقت تواجه في الرياض أزمة إقليمية لم يسبق لها مثيل.

وشهدت هذه السنوات الأربعون غزوًا إسرائيليًا للبنان في الأعوام 1982 و1987 و2006، وانتفاضتين فلسطينيتين في 1987 و2000، والحرب العراقية الإيرانية في 1980، والاجتياح العراقي للكويت عام 1990، واحتلال قوات التحالف العراق بقيادة الولايات المتحدة في 2003.

دبلوماسي بارع

ورغم كل ما شهدته هذه السنوات من اضطراب، فإن الأمير سعود يترك منصبه والعالم العربي في وضع محفوف بمخاطر أكبر مما شهده في أي فترة من فتراته في العقود الأخيرة بما تعانيه سوريا والعراق من حرب أهلية واضطرابات والفوضى التي تسود اليمن وليبيا والانتقال السياسي الملتبس في مصر.

وكان الأمير سعود على طبيعته سواءً وهو يرتدي الدشداشة أو الملابس الغربية وربطة العنق وسواءً كان يتحدث باللغة العربية أو باللغة الإنجليزية وأثبت براعته في توصيل جوهر الرسالة السعودية بكل ذكاء متجاوزًا التفاصيل الدبلوماسية المنمقة.

وخلال لحظة توتر في علاقات السعودية مع الولايات المتحدة حليفها الرئيسي عام 2004، وصف الأمير سعود العلاقة بأنها "زواج إسلامي" تستطيع فيه المملكة الاحتفاظ بعدة زوجات ما دامت تستطيع أن تعدل بينهن.

وفي السنوات الأخيرة، احتفظ بتوقد ذهنه وبراعته حتى عندما جعلت شكوى مزمنة من آلام الظهر وأمراض أخرى يديه تبدوان مرتعشتين وكلامه غير واضح في المناسبات العامة.

في أوائل عام 2012 سئل عما إذا كان يعتقد أن تسليح مقاتلي المعارضة السورية فكرة جيدة فجاء رده سريعًا "أعتقد أنها فكرة ممتازة".

ميلاد الأمير وتعليمه

ولد الأمير سعود وهو أحد أبناء الملك فيصل عام 1940 في مدينة الطائف الجبلية قرب مكة حيث ساعد عام 1989 في التفاوض على اتفاق وضعت بمقتضاه الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عامًا أوزارها.

وحصل الأمير سعود على البكالوريوس من جامعة برنستون في ستينات القرن الماضي ثم قضى أعوامًا في وزارة البترول تحت رعاية وزير البترول السعودي أحمد زكي يماني صاحب الشخصية الكارزمية والصديق المقرب من والده.

وبدأت مسيرته في العمل الدبلوماسي في ظروف صعبة فقد اختاره الملك خالد عقب توليه الحكم وزيرا للخارجية بعد اغتيال الملك فيصل والد الأمير سعود والذي ظل يحتفظ بمنصب وزير الخارجية بعد أن أصبح ملكًا عام 1962.


وقال دبلوماسيون في الرياض إن السياسة الخارجية السعودية مثل جهاز الضوء الكاشف قادرة على التركيز الشديد على المجال الذي يهتم به الملك والأمير سعود أكثر من غيره غير أنها تعجز عن المتابعة عندما يتحول الاهتمام إلى مجال آخر.

تاريخ معقد

عندما عين الأمير سعود في مارس العام 1975 تمثلت العوامل المهيمنة على المنطقة في مساجلات الحرب الباردة ومنافساتها، وبدا أن القومية العربية والاتجاهات العلمانية هما اللتان تحملان في طياتهما وعود المستقبل.

فلم تكن مصر وإسرائيل وقعتا معاهدة السلام وكان ياسر عرفات يقود منظمة التحرير الفلسطينية من مخيمات اللاجئين في لبنان وكان شاه إيران يجلس على عرش الطاووس. أما في العراق، فكان صدام حسين يخطط للوصول إلى الحكم.

وهيمنت علاقة الرياض بصدام على فترات طويلة من السياسة الخارجية السعودية في ظل الأمير سعود، وتحولت من التأييد الحذر خلال الحرب العراقية الإيرانية إلى العداء الشديد بعد اجتياح الكويت.

ورغم التاريخ المعقد كان الأمير سعود يعارض علانية غزو العراق عام 2003 ويخشى بفطنته وبصيرته ما قد يحدثه من فوضى تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة.


وقال في مقابلة مع التليفزيون البريطاني "إذا كان التغيير سيأتي بتدمير العراق فأنتم تحلون مشكلة وتخلقون خمس مشاكل أخرى".

أقرب حلفاء الملك عبد الله

وفي إطار الأسرة الحاكمة كبيرة العدد، ثبت أن الأمير سعود كان من أقرب حلفاء الملك الراحل عبد الله.

فعندما شرع الملك عبد الله وهو ولي للعهد في سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية عام 2000 كان الأمير سعود بما اكتسبه من خبرة إبان عمله في وزارة النفط هو الذي عمل معه لفتح الطريق أمام شركات الطاقة الأجنبية للعمل في حقول الغاز السعودية.

وبعد عامين دعم أكبر مبادرات الملك عبد الله في السياسة الخارجية والتي تمثلت في خطة عربية للسلام مع إسرائيل مقابل انسحابها من كل الأراضي المحتلة وتسوية مشكلة اللاجئين.

وقال لإسرائيل في ذلك الوقت إنها إذا قبلت الاقتراح فستقيم المنطقة كلها سلاما معها وتعترف بحقها في الوجود وأكد أنه إذا لم يحقق ذلك لإسرائيل الأمن فلن يوفره لها السلاح.

ولم توافق إسرائيل على هذه المبادرة وكثيرًا ما ردد الأمير سعود أن أكبر سبب للإحباط في مسيرته كان الإخفاق في إقامة الدولة الفلسطينية.

الجريدة الرسمية