رئيس التحرير
عصام كامل

الثورة والثورة بالوكالة


صديقى: نجتمع، ونتناقش ونتساءل: لماذا لم تحقق الثورة أهدافها؟ ونتحسر ونقدم قربانـًا لضميرنا الثورى بتذاكـُر أحوال الفقراء الذين قامت الثورة من أجلهم، لكنها لم تنتشلهم من فقرهم بل كانت- ويا للأسف- نكبة على الكثيرين منهم.


ثم نمضى على وعد باللقاء، وبين لقاء ولقاء يدهس قطار حكم الإخوان المزيد من الفقراء، ويبلغ بنا التأثر مبلغه فنواصل وقفاتنا الاحتجاجية، ونحتج –بالقلب واللسان وصورة البروفايل - على مآس  كمأساة الطفل عمر صلاح وعم حسين جاتوه وغيرهما من المهمشين المسحوقين.. ولكن هل هذا هو الموقف المثالى؟

أعرف إجابتك سلفـًا، ستقول: لا .. طبعًا، ثم ننخرط فى جلد الذات المعتاد فندين أنفسنا والنخبة المتشدقة دائمًا وأبدًا بحقوق الفقراء والتى لا تعرف عن الفقر شيئـًا فى واقع الأمر، وعن الثوار الذين هم فى وادٍ بينما المواطن الفقير فى وادٍ آخر. أليس كذلك؟

طيب.. دعنا -لو لمرة واحدة- ننظر للأمر من زاوية مختلفة. دعنا نر الفقير باعتباره متحملاً للقسم الأكبر من المسئولية عما يعانيه. اصغ من فضلك ثم زايد بعدها على ثوريتى كما تشاء.

الثورة- صديقى العزيز- قامت "من أجل" الفقراء، والمشكلة تكمن فى "من أجل" هذه. مجموعة من أبناء الطبقة الوسطى قرروا أن الوقت قد حان لإسقاط "مبارك" ونظامه الذى أفقر البلاد على مدار ثلاثين عامًا، ثم تحمس للفكرة المعنيون بها فعلاً، فكان أن اكتسبت الثورة زخمًا أدى- آخر الأمر- إلى تنحى مبارك.

لكن الأمور اختلفت بعد ذلك، ليس فقط بسبب انقسام القوى الثورية إلى إسلاميين ومدنيين وإنما- وربما كان هذا هو السبب الأهم- لأن الفقراء غادروا الميادين فلم يبق بها سوى النخبة، تنادى بمطالب لا يفهمها الفقراء كإقالة النائب العام وكتابة الدستور قبل انتخابات البرلمان، إلخ، بينما من قامت الثورة "من أجلهم" ينفذون طائعين مخطط المجلس العسكرى والإسلاميين لإجهاض الثورة، بالتصويت فى أى استفتاء أو انتخابات بما يريده الحاكم وحلفاؤه ابتغاءً لاستقرار لا يتحقق أبدًا فتجدهم يلومون الثوار – لا الحكام- على عدم تحققه.

انزل إلى الشوارع وتحدث مع هؤلاء الذين ارتسمت ملامح البؤس الأزلى على وجوههم، تجدهم يتحدثون بحنين عن أيام مبارك، ويتمنون عودتها. تحدث معهم عن الإخوان تجدهم نادمين على انتخابهم متمنين لو كانوا قد انتخبوا شفيق فهو "عسكرى كمبارك.. وهذا الشعب لا يصلح له سوى حكم العسكر"، تحدث معهم عن ارتفاع الأسعار وصعوبة المعيشة تسمع منهم كلامًا مليئـًا بسخط أبلغ من عشرات التحليلات الاقتصادية التى تعج بها برامج التوك شو، اسألهم عن الحل وسيشيرون إلى السماء، حدثهم عن ضرورة الثورة عندئذ سينظرون إليك بريبة فى أحسن الأحوال، أو يهاجمونك- فى أسوئها- باعتبارك مخربًا لا تريد لمصر الاستقرار المنشود.

لن تنجح الثورة يا صديقى إلا إذا قام بها الفقراء أنفسهم، ستقول لى دورنا إذن هو توعية الفقراء.. توعيتهم بماذا؟ من لم يكن له الفقر واعظًا فلن تنفع معه المواعظ، دعهم يكتشفون الطريق بأنفسهم، دعهم يقررون مصيرهم بأنفسهم حتى إذا ما عرفوا أنه لا بديل عن الموت جوعًا سوى الثورة ثاروا، دع الفقراء يثورون لأنفسهم، فعندئذ فقط ستنجح الثورة.

الجريدة الرسمية