تفاصيل ليلة سقوط «بيت المقدس».. أجهزة سيادية كشفت تفاصيل العملية الأخيرة قبل أسابيع.. وفتح معبر رفح لأيام أول «ركائز الخداع».. لانشات بحرية نقلت التكفيريين والأسلحة من قطاع غزة إلى
>> الخطة استهدفت السيطرة على الشيخ زويد وإغلاق رفح ومنع الإمداد عن العريش
>> 15 قرية تابعة للمدينة تنتظر عودة الاتصالات والخدمات الأساسية
«مصر في حرب».. هذا ملخص ما سجلته مدينة الشيخ زويد منذ فجر أول أيام يوليو الجاري، حاول التكفيريون خطف انتصار وهمي من أفواه الأسود فكان الرد قاسيًا ليس بحسرة «أنصار بيت المقدس» على خيرة إرهابييها فحسب بل نحيب أجهزة استخبارات دول تقف وراؤها.
لم يكن جديدًا على «الشيخ زويد» أن تسجل ملحمة صمود كتف بكتف مع رجال القوات المسلحة، وما إن هدأ غبار الحرب نسبيًا حتى بدأت تتساقط الأقنعة شرقًا وغربًا واحدًا تلو الآخر، وتتحدث التقارير الأمنية عن «فضائح حماس» شرقًا وعبقرية أمنية مصرية نجحت في تنفيذ سيناريو الخداع.
صمود الشيخ زويد لا يكفيه مجلدات، فمدينة تعيش في حالة إعلان حرب منذ شهور، تنتشر بها أكمنة الجيش وتتراجع الخدمات نسبيًا كان متوقعًا أن يرحل عنها سكانها أو يعطوا ظهورهم للدولة، غير أن ما سجلته «الساعات الست» لحرب الشيخ زويد كان لها حديث آخر.
12 مفاجأة عن «الأربعاء الأسود»
داخل الشيخ زويد حاول «تكفيريون» اقتطاع المدينة من شبه جزيرة سيناء وإعلانها إمارة داعشية، ورفع إعلام التنظيم الإرهابي على أحد مبانيها «مبنى المحكمة»، دارت أعنف معركة على الأرض، منذ سقوط الرئيس الأسبق محمد مرسي.
معركة «الأربعاء الأسود» الأول من يوليو الجاري، حملت مفاجآت كثيرة سقطت أوراقها واحدة تلو الأخرى حول ضربة الجيش التي حولت أسطورة ما تسمى «ولاية سيناء» إلى «كومة رماد»، خصوصًا أنها كانت حربًا على كل الجبهات «الداخلية والخارجية، العسكرية والنفسية، الإعلامية والدبلوماسية».
التحريات والتحقيقات المتواصلة، كشفت عن مفاجآت مدوية بدأت بمعرفة الأجهزة الأمنية بالعملية المسلحة لأنصار بيت المقدس، قبلها بـ4 أسابيع، بل إن المعلومات تؤكد أن صناع القرار بمصر كانوا على دراية كاملة بالعملية، واتخذوا إجراءات «تشيجيعية» لدفع بيت المقدس إلى تنفيذها.
«مصيدة الإرهابيين» وضعتها أجهزة الأمن منذ فترة وبدأت أولى خطوات التنفيذ بفتح معبر رفح بين قطاع غزة الفلسطيني ومصر لأربعة أيام متتالية منذ بداية شهر رمضان، ما استغله «تكفيريو غزة» في تمرير مخططات إلى «إرهابيو رفح»، تشمل «ماكيت» للأكمنة التي وضعتها عناصر حمساوية في القطاع، بعد تلقى صور لأقمار صناعية رصدت التحركات والأكمنة العسكرية في شمال سيناء.
منذ أول رصاصة تم إطلاقها على كمين الرفاعي، عند السادسة و55 دقيقة صباح الأربعاء (1 يوليو) انطلقت سلسلة تحقيقات كشفت عن حقيقة الفخ الذي وضعه الجيش لأنصار بيت المقدس، خصوصًا أن المعلومات الأولية كانت تؤكد أن العملية هي الأضخم لـ«المجموعة الإرهابية»، إذ مر شهران على حالة من «الصمت الإرهابي» تجاه قوات الأمن بسيناء، وإن اضطرت الظروف إلى مواجهات بين الجانبين كانت تتم بسبب مداهمات تقليدية للجيش في مناطق جبلية بأرض الفيروز.
العملية التي أطلق عليها «كسر الحصون» كشفت التحقيقات أن ما تردد عن تخطيط «أنصار بيت المقدس» لوضع يده على مدينة الشيخ زويد كان بداية لأخطر محاولة إرهابية لاحتلال سيناء على أيدي جماعات وخلايا إرهابية تعمل لحساب أطراف إقليمية ودولية بالمنطقة.
الهجوم الإرهابي على أكمنة الجيش بالشيخ زويد، خلال «الأربعاء الأسود»، لم يكن مجرد حادث إرهابي عادي على الجيش، وإنما كان مخططًا إرهابيًا دوليًا يهدف إلى احتلال المدينة، وإعلان الإمارة الإسلامية المزعومة بهدف فصل مدينة رفح عن مدينة العريش وإسقاطها بعد قطع أي إمدادات عنها لعدة أيام ثم الانقضاض على رفح لتليها العريش ثم بقية مدن سيناء تباعًا، بحسب ما رصدته التحقيقات الأولية.
ووفقًا للتحقيقات نفسها فإن أطرافًا عدة وضعت مخططها سلفًا الشامل لسيناريو متكامل «إعلامي وعسكري» لإنشاء غرفة عمليات بقطاع غزة يتولى بث وإرسال الأخبار لوكلات الأنباء العالمية بالتزامن مع العمليات العسكرية في محاولة لتأكيد سقوط الشيخ زويد قبل حدوث ذلك لدواعي الحرب النفسية.
أما عمليات المواجهة العسكرية فإن قوات التنظيم التي هاجمت الأكمنة دخلت سيناء بمساعدة حركة حماس وتنظيم السلفية الجهادية في قطاع غزة من خلال لنشات صيد بحرية فلسطينية كانت تنقل أعدادًا غفيرة من المسلحين الفلسطينيين عبر القوارب البحرية من شاطىء غزة وحتى شاطىء مدينة الشيخ زويد ونقل كميات كبيرة من الصواريخ الفلسطينية لضرب الجيش في العريش حال سقوط مدينة الشيخ زويد، حسب المخطط الذي تم إحباطه، وفقًا للتحقيقات أيضًا.
المعلومات تحدثت عن سقوط الإرهابيين في فخ الجيش، وجرى تنفيذ السيناريو كما تم التخطيط له من قبل الأجهزة الأمنية، خصوصًا أنه كشف عن أول ظهور لعناصر عسكرية منظمة لتنظيم داعش في سيناء بعد أن ظهرت الأعداد الحقيقية لأعضاء التنظيم وظهروا على 300 مسلح شاركوا في أول هجوم على الأكمنة ومثلهم كانوا ضمن ما يسمى بـ«القوة الاحتياطية» التي تتحرك في مرحلة تالية لتطويق المدينة (الشيخ زويد).
المعلومة الأبرز الآن أن «بيت المقدس» دفع بصفوة قواتها في أول هجوم واسع في سيناء، وهم عبارة عن عناصر خاصة تمت الاستعانة بها من قوات داعش في سوريا ثم تم نقلها إلى مصر لتنفيذ مهمتها ضد قوات الجيش، خصوصًا أن التنظيم الإرهابي أعلن حاجته للأفراد والقوات قبل نحو شهرين بسبب صعوبة نقل عناصرها من المحافظات إلى شمال سيناء.
كما خضعت بعض عناصر التنظيم الإرهابي لتدريبات عنيفة في قطاع غزة على أيدي عناصر حركة حماس التي شاركتها لأول مرة عناصر السلفية الجهادية في التنسيق للتنفيذ، وتولت «حماس» إحضار وتجهيز الملابس العسكرية الخاصة بالعملية المسلحة والتي كانت عبارة عن زي «قديم» خاص بقوات الجيش لخداع رجال القوات المسلحة واستغلال ضحاياه على أنهم ضباط وجنود مصريون.
وأكدت المعلومات أن «بيت المقدس» نجح بمساعدات خارجية إقليمية ودولية في وضع «نواة جيش نظامي» داخل رفح والشيخ زويد، وأصبح للتنظيم كيان عسكري لأول مرة يظهر بهذا المستوى، وهذا الشكل في ارتداء عناصره زي عسكري بشارات حمراء وأيضًا تكوينه سرايا وفصائل عسكرية وكل فصيل عسكري وكل سرية لها قائد وتتحرك بحسابات وبخطط عسكرية منظمة تشارك في تحركاتهم أجهزة استخبارات، فضلا عن تورط حماس بقطاع غزة في وضع الشكل التأسيسي لهذه التقسيمات والفصائل.
فيما تلخص دور تنظيم السلفية الجهادية بقطاع غزة في دعم تنظيم بيت المقدس بالسلاح والمتفجرات والأفراد المسلحين الفلسطينيين الذين ظهرت جثثهم ضمن القتلى، فضلا عن أن التنظيم الإرهابي استطاع بتمويل ومساعدات خارجية أن يرتب صفوفه سرًا، خلال الشهرين الماضيين، إلا أن الجيش المصري استطاع وأد «بذرة الجيش النظامي لبيت المقدس» في مهدها.
حسرة «بيت المقدس»
مصادر عسكرية اعتبرت أن أحداث «أول يوليو» بالشيخ زويد «عملية جراحية كبيرة» نجح خلالها الجيش المصري في استئصال الورم السرطاني الأكبر والأهم على أرض الفيروز، وجعل قيادات تنظيم بيت المقدس تتحسر على خيرة مسلحيها، وتحقيق أكبر خسائر في صفوف التنظيم الإرهابي ليتبقى أمام الجيش المصري عمليات تنظيف للخلايا السرطانية المتبقية بعد استئصال الورم السرطاني الأكبر بقتل أكبر عددٍ من مقاتلي التظيم.
مصادر أمنية أخرى قالت لـ«فيتو» إن تنظيم بيت المقدس نقل أعدادًا كبيرة من مصابيه عبر الأنفاق إلى قطاع غزة لعلاجهم بمستشفيات القطاع، تحت إشراف وعلم حركة حماس في القطاع، والأخطر من ذلك علم دولة الاحتلال بالحادث الإرهابي قبل وقوعه بـ3 أيام، وإعلانها حالة الطوارئ على طول الحدود مع مصر.
«ما سبق يؤكد تورط الموساد الإسرائيلي مع التنظيم الدولي للإخوان وحركة حماس وتركيا وقطر في تجهيز هذا الجيش النظامي من عناصر بيت المقدس مدعومة بعناصر إرهابية من سيناء ومحافظات مصرية وعناصر فلسطينية بقطاع غزة»، بحسب المصادر الأمنية ذاتها.
هنا أنفاق غزة
أنفاق غزة تلعب دورًا خطيرًا أيضًا في دعم هذا الإرهاب على أرض سيناء، فحماس في قطاع غزة تسابق الزمن لإسقاط الجيش في سيناء قبل أن ينجح في غلق الأنفاق، وإحكام الحصار على الحركة في قطاع غزة لأن إخلاء الجيش للمنطقة العازلة على حدود غزة برفح بعمق 5 آلاف متر يعني القضاء نهائيًا على الأنفاق وهذا بدوره يعني تقييد وتقليص قوة حماس القطاع التي تعتمد على الأنفاق في التسليح واستلام الأموال الخارجية وتحرك عناصرها بحرية تامة من غزة وإلى سيناء والعكس عبر الأنفاق مما يعني نجاح مصر في إضعاف حماس حتى السقوط مستقبلا.
تقارير أمنية أشارت إلى أن حركة حماس تدعي لمصر وللعالم أنها لا تتدخل في الشئون المصرية الداخلية وفي سيناء، وهذا غير صحيح فالحركة تدعم بكل قوة تنظيم بيت المقدس بسيناء بل وتمدهم بالسلاح والمال والعناصر الحمساوية وتسمح حماس في قطاع غزة للسلفية الجهادية الفلسطينية الداعمة لداعش بحرية التنقل إلى سيناء عبر الأنفاق وبحرية تنقل عناصر بيت المقدس عبر الأنفاق إلى غزة لتلقي التدريبات والعلاج والاختباء وغيرها من الدعم الذي تقدمة حماس للإرهاب على أرض سيناء.
تحريات أجهزة الأمن في مصر أشارت إلى تورط حماس في دعم بيت المقدس بزي عسكري مشابه للزي العسكري المصري، إضافة إلى وصول صواريخ من غزة إلى «بيت المقدس» مضادة للطائرات ما وضع حماس في مرمى اتهام خطير قد يؤدي إلى استحالة فتح معبر رفح البري، خلال المرحلة المقبلة، والتفكير في استهداف بعض مواقع في قطاع غزة إذا تطور الأمر بسيناء.
أما تنظيم بيت المقدس بسيناء فتبين أن عناصره تم تدريبها بشكل كبير وزيادة قواته بعناصر عديدة من قطاع غزة، وتم تدريب كوادرة بالقطاع، خلال الفترة الماضية بعد قيام عناصر التنظيم بتصوير الكمائن والمقرات العسكرية بالشيخ زويد وعمل ماكيتات بقطاع غزة وتدريب كوادر بيت المقدس عليها علاوة على تدريب عناصر فلسطينية من كتائب القسام والسلفية الجهادية على كيفية مواجهة الجيش برفح والشيخ زويد والعريش، بحسب التحريات.
«القيادي الإرهابي أحمد الجهيني»، وفقًا لما ورد بتقارير أجهزة الأمن، تولى تدريب عناصر بيت المقدس بسيناء إلا أن المشهد الأخير الذي ظهر عليه التنظيم في أحداث الشيخ زويد أكد أن تدريبات هذه المجموعة الإرهابية تتم بقطاع غزة وبإشراف أجهزة استخبارات من حماس وإسرائيل والتنظيم الدولي للإخوان، كما أن قطر أكبر ممول لـ«بيت المقدس» بسيناء فالجميع تشابكت مصالحة لإسقاط الجيش في سيناء واحتلالها لتقديمها هدية إلى إسرائيل في النهاية تحت زعم تكوين إمارة إسلامية.
التحقيقات أكدت أن عائلات كبيرة تعرضت لخسائر فادحة بسبب حرب الجيش على الأنفاق مع غزة لعبت دورًا كبيرًا في تنفيذ ومساعدة أنصار بيت المقدس لتنفيذ مخططها خاصة ممن ينتمون لعائلة السواركة والتي تلخص دورها في العملية الأخيرة بتحديد المناطق الخاصة التي سيتم من خلالها تنفيذ العملية سواء المنشآت أو المنازل، كما أنها تولت تأمين الشوارع التي استخدمها التكفيريون في تنفيذ العملية.
المعلومات تحدثت عن أن خلية إرهابية في 3 تجمعات استهدفتها القوات المدعومة بمروحيات الأباتشي، عقب تنفيذ العملية كشفت قيام كبار العائلة بإخفاء المسلحين لأسابيع طويلة ماضية، وسبقت العملية كان الهدف منها تصوير تلك العناصر للأكمنة وثغرات المعسكرات والمناطق الأمنية، كما شاركت عناصر بدوية في تفخيخ وزرع الألغام بمحيط معسكر الزهور ووضع البراميل المتفجرة في محيط قسم الشيخ زويد.
«الشيخ زويد» في سطور
لسنوات طويلة عاشت مدينة الشيخ زويد هادئة يأتي أهلها البدويون رزقهم، فأبناؤها يصل عددها إلى 60 ألف مواطن موزعين في أرجاء المدينة الكبيرة، والتي يوجد بها قرابة 15 قرية أكثرها بجنوب المدينة، ويقيم فيها عدد من القبائل البدوية أكبرها «السواركة والريشات والريملات» وبعض من قبيلة «الترابين»، وتشتهر المدينة بكثرة أراضيها الزراعية مثل الكنتلوب والخوخ واللوز والكثير من الزراعات الحمضية.
بعد ثورة «30 يونيو» تحولت المدينة إلى مدينة أشباح وازدادت الأوضاع سوءًا فيها بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، وأغلقت المحال التجارية أبوابها وهجرها بعض سكانها، وتحولت إلى ما يشبه «الخرابة المعزولة» عن العالم بقطع الاتصالات وبحظر تجوال يعتبر طوال اليوم.
على مدى الشهور الماضية، ظل دخول «الشيخ زويد» أمرًا ليس سهلًا بل يتطلب مساعدة من أحد أهالي القرى من الداخل لإغلاق الطرق الرئيسية وانتشار كمائن الجيش في مختلف مناطق المدينة للتضييق على المسلحين التحرك بسهولة، فتكون الطرق الجانبية وغير الممهدة بديلًا بل والطريق الوحيد للوصول إليها.
الآن تحولت مدينة الشيخ زويد الهادئة إلى مسرح للعمليات الإرهابية، واعتاد أطفالها على سماع أصوات الرصاص المتطاير طوال الوقت ومن يصب منهم لا يوجد له علاج مناسب في مستشفى الشيخ زويد الوحيدة بالمدينة، إذ تفتقر إلى جميع الإمكانيات والكوادر الطبية.
حاصر العنف تلك المدينة الهادئة عندما بدء انتشار الفكر الجهادي التكفيري، ليظهر «الدكتور خالد مساعدي - أحد أبناء قبيلة السواركة» المتخصص في طب الأسنان معلنًا تشكيل أول تنظيم جهادي يحارب الدولة وسارع في تأسيس تنظيم سُمى بـ«التوحيد والجهاد»، الذي نسب إليه العديد من العمليات الإرهابية منها تفجيرات 2005 بجنوب سيناء لكن الأجهزة الأمنية سرعان ما قضت على هذا التنظيم بعد تفجيرات طابا.
قبل «25 يناير» كانت المدينة شبه هادئة وبعد اندلاع الثورة، وخلال فترة الانفلات الأمني وهروب معظم القيادات التكفيرية من السجون صارت المدينة معقلا للتكفيرين وأصحاب الفكر الجهادي المتطرف كما تحولت إلى مسرح للعمليات الإرهابية ونقطة انطلاق وتجمع للجماعات المسلحة.
استخدمت الجماعات المسلحة مدينة الشيخ زويد لطبيعة تضاريسها وكثرة المناطق الصحرواية الوعرة، كما انتشرت في قراها، وخصوصًا قرى «المهدية، والمقاطعة، والفيتات، والتومة، والظهير، والعجرة»، وجميعها معقل أفراد تنظيم أنصار بيت المقدس الإرهابي.
عناصر التنظيم الإرهابي حفروا الخنادق والملاجىء تحت الأرض وساعدتهم تضاريس المدينة الوعرة على الاختباء بعد كل عملية، كما استخدموا مزارع الزيتون ذات المساحات الكبيرة والبعيدة عن المنطقة السكنية كمأوى لهم.
وفي يوليو 2014، نظمت جماعة أنصار بيت المقدس عرضًا عسكريًا مسلحًا في هذه القرى، ووزعت منشورات على الأهالي تحثهم على الانضمام إلى الجماعة لإعلان منطقة الشيخ زويد ورفح ولاية لسيناء تمهيدًا لمبايعة أبو بكر البغدادي أمير تنظيم داعش، وذاع سيطها وبدأت الجماعة بالظهور على الملأ واستعراض القوة عن طريق تنظيم مسيرات بالسيارات الدفع الرباعي والمرفوع عليها علم «داعش» حاملين أسلحة خفيفة وثقيلة متطورة.
«اللفيتات» إحدى القرى الواقعة في جنوب الشيخ زويد تحولت في وقت قصير إلى ما يشبه عاصمة للإرهاب في سيناء بل إن المسلحين أعلنوا اختيارهم لها كعاصمة لـ«ولاية سيناء» المدعومة من تنظيم داعش بالعتاد والسلاح والمال والإرهابيين أيضًا.
وتشير المعلومات إلى أنه بعد استهداف الكتيبة 101 ومديرية أمن شمال سيناء، كشفت المصادر عن أن المسلحين انحصر تواجدهم في 3 قرى الظهير والعجراء وهي تعتبر نقطة تمركز الرئيسية وقرية اللفيتات التي تعد أخطر وأبرز أماكن تجمعات المسلحين، واستعانوا بحافري الأنفاق (حفروا 60 مخبأ تحت الأرض لتخزين السلاح).
المسلحون استغلوا وعورة واتساع أودية وتضاريس قرية اللفيتات وأنشئوا فيها شبكة مخابئ يلجأ إليها الإرهابيون أحيانًا لتخفيف الحصار وحولوها إلى ما يشبه مدينة كاملة تحت الأرض فيها كل أنواع السلاح المهرب من غزة والقادم من ليبيا إبان حكم الإخوان.
وسرعان ما تم إدراك الموقف من قبل القوات المسلحة وهمت بنصب أعداد كبيرة من الكمائن الأمنية في الطرق السريعة وفي قلب ومعقل القرى التي يتحصن بها الجماعات المسلحة، وكثفت القوات المسلحة ضرباتها الموجعة ضد أوكار الإرهابيين ولم يجد ملجأ للهروب من جحيم القوات المسلحة سوى الهروب إلى مناطق سكنية المأهولة للاحتماء بين المدنين، لتتحول المدينة إلى منطقة جحيم.
صباح الأربعاء (1 يوليو)، بدأ الهجوم الإرهابي الواسع، فيما فوجئ أهالي منطقة الشيخ زويد بهجوم الجماعات التكفيرية على عدة أكمنة عسكرية جنوب المدينة عن طريق إطلاق قذائف هاون أعقبها مباشرة هجوم بالأسلحة الثقيلة إلا أن القوات صمدت في وجه الهجوم وتبادلت إطلاق النار بحزم شديد مع العناصر الإرهابية وأسقطت عددًا من القتلى في صفوف التكفيريين، فيما منحت مروحيات «الأباتشي» قوات الأمن الأفضلية في المعركة.
كما اضطرت الأجهزة الأمنية إلى إغلاق الطريق الدولي «العريش- رفح» لمحاصرة عناصر بيت المقدس وقطع الطريق لتحركاتهم بسهولة وذلك مع تحليق مكثف لطائرات الأباتشي، ثم سريعًا ما هاجمت العناصر التكفيرية قسم شرطة الشيخ زويد، وأطلقوا رصاصًا كثيفًا تجاه مبنى القسم إلا أن قوات الأمن ردت بقوة عليهم قبل أن ينشر المسلحون براميل البارود حول القسم لتفخيخه.
بالتزامن مع ذلك، هاجمت العناصر التكفيرية كمين "أبو رفاعي" العسكري المجاور لقسم شرطة الشيخ زويد واستهدفته من خلال تفجير سيارة مفخخة، ومع فترة الظهيرة قامت عناصر مسلحة تابعة لـ«بيت المقدس» بزرع عبوات ناسفة في عدة طرق رئيسية لعرقلة وصول التعزيزات الأمنية إلى أماكن الاشتباكات، كما حاصرت معسكر الزهور عن طريق زرع عبوات ناسفة بمحيط المعسكر لعرقلة خروج أي تعزيزات أمنية لمساعدة القوات.
حينها شهدت شوارع الشيخ زويد انتشارًا للتكفيريين الذين أجبروا بعض المواطنين على ترك منازلهم واعتلوا الأسطح لاستهداف القوات، فيما واصلت الطائرات الحربية القصف في محاولة للسيطرة على الموقف.
تحولت مدينة الشيخ زويد عقب الهجوم المسلح المتزامن على 14 ارتكازا عسكريا وقسم المدينة إلى مدينة أشباح، وخلت الشوارع من المارة وأغلقت المحال التجارية والأسواق، وأصوات الانفجارات والرصاص تسمع بين الحين والآخر.
وانتشرت العناصر المسلحة بشكل مكثف في شوارع المدينة، يحملون راياتهم السوداء ويستقلون سيارات دفع رباعي ودراجات بخارية في عرض عسكري داخل المدينة، وللأسف تم استهداف أحد محولات الكهرباء وفصل التيار الكهربائي عن وسط المدينة والأحياء المتاخمة له، فيما انقطعت إمدادات المياه بشكل كلي عن جميع المنازل والعمارات السكنية لتوقف مرفق المياه عن العمل بسبب الاشتباكات.
وبعد اشتباكات دامية استمرت 12 ساعة بين قوات الجيش والعناصر التكفيرية أجبر الطيران الحربي، المسلحين على الانسحاب من قلب مدينة الشيخ زويد ليتم تعقبهم في المناطق الصحراوية، ويتم اصطياد 50 تكفيريًا أثناء احتفالهم في موكب عند الوحدة الصحية بقرية "أبو طويلة" بجنوب الشيخ زويد.
وبعد انتهاء الاشتباكات، خرج أهالي مدينة الشيخ زويد ليتفقدوا شوارع المدينة بعد يوم طويل من الاشتباكات العنيفة والدامية ليظهر آثار الدمار والجثث التابعة للتكفيرين متفحمة ومفصولة نصفين للتكفيرين في شوارع المدينة، وجمعت القوات المسلحة 36 جثة والتحفظ عليها لمعرفة هويتهم.
"نقلا عن العدد الورقي.."