رئيس التحرير
عصام كامل

شرطيون من ورق.. ورجال من ذهب


كل عناصر الاشتباه كانت محل يقين في السيارة التي كانت تمضى أمامنا.. سيارة قديمة.. بيضاء.. ملوثة.. دون لوحات معدنية.. يقودها ملتح يبدو أنه غير مستقر نفسيًا.. مضت السيارة دون أن يوقفها الكمين.. سألنى فرد الأمن عن أوراق السيارة.. قدمتها له.. ثم أردف قائلًا وبطريقة ودية «لقد كنت تتحدث في التليفون».. اعترفت بجريمتي، غير أن الرجل كان متسامحًا للغاية ولم يحرر مخالفة.


في المرة الثانية.. سيارة ربع نقل تشبه الغرفة المغلقة.. ليس مدونا عليها اسم شركة.. ظننت أنه من المهم أن يراجعها فرد الأمن.. يفتشها.. يوقفها ليسأل صاحبها عن الأوراق.. لم يحدث.. استوقفنى الرجل سألنى عن الأوراق.. قدمتها.. ضحك وهو يقول «من فضلك البس الحزام».. ابتسمت والتزمت!!

كمين شهير.. بعض الضباط يجلسون على قارعة الطريق بطريقة مستفزة.. ساق فوق ساق.. نصف ظهره للطريق.. ربما يرهقه الـ«واتس آب» على تليفونه.. الجنود يصطفون.. أمناء الشرطة يقومون بالواجب.. يوقفون السيارات، البعض الآخر مترهلون إلى أقصى درجة.. يتسكعون على الأرصفة، أو تراهم دون أن تتصور أن هؤلاء مستهدفون من قوى ظلامية تمتلك السلاح والتخطيط والقدرة على التنفيذ.

لأن هؤلاء أبناؤنا.. ولأنهم جزء من نسيج هذا المجتمع، ولأنهم جزء من أدوات الحرب في الصفوف الأمامية؛ فإننا نكتب، لا لنهاجمهم كما يتصور البعض، لكن لننفض عنهم غبار الغباء في الأداء، وننبههم، ولو بقسوة، بأنهم مستهدفون، وأن الحزام والتحدث في المحمول ليسا أولوية الآن.. سيارة دون لوحات هي الأولوية الأولى.. سيارة نقل فوقها غرفة مغلقة أولوية أولى الآن.. الوقوف في الكمين على أهبة الاستعداد هو الأهم الآن.

نقول ذلك لأن نجاح قوى الشر في استهداف أبنائنا هو تقصير منا في حماية أنفسنا.. تدريب هؤلاء الضباط ضرورة.. لا يصح أن ترى كل من هو عميد شرطة فما فوق هذه الرتبة وهو يحمل بطنًا أمامه وترهلًا خلفه، لا يستطيع أن يؤدى مهامه.. ليس منطقيًا أن يظل الضابط ضابطًا ما دام تخرج في الكلية.. لا بد أن نوفر لهم دورات تدريبية واختبارات.. من يجتازها يستمر ضابطًا ومن يفشل فيها يلتحق بقطار المواطنين.

لأننا في حرب حقيقية لم يعد منطقيا أن يظل ضباط الشرطة يعيشون برواتب ضعيفة تدفع بعضهم لبيع نفسه.. ليس منطقيًا أن تكون أدوات المجرمين أكثر تقدمًا من أدواته.. لا بد وأن يحظى الجهاز الأمني بوسائل تكنولوجية تمكنه من أداء دوره.. ولأننا نرى أن اغتيال المستشار هشام بركات في دائرة التعقيم الأمنية الأولى كارثة بكل المقاييس، وهو واحد من أهم الشخصيات في البلد، فإننا ننبه لحماية الجهاز الأمني من شرور التعالى أو الاستكبار أو التهاون الشديد.

من المهم أن نراجع جهاز المعلومات.. الأمن الوطني.. أن نتيح له الأدوات مهما كان الثمن.. أن نطهره أولًا بأول.. أن نمده بالكفاءات.. أن نوفر له الإمكانات. أن نراجع طرق العمل والترقى والتدريب والدراسات.. أن نتخذ شعار «لا مجاملات.. لا فساد.. لا محسوبيات» داخل الجهاز.

وقبل هذا كله أن نتخذ من العملية البطولية لرجال الشرطة أثناء حصار قسم زويد يوم الأربعاء الماضى درسًا مهمًا، نثبت من خلاله إقدام كل وطنى غيور وبطل يستبسل في حماية وطنه، وأن نتخلص من العناصر الفاسدة وما أكثرها.. أن نحتفى بالمواطن المصرى الذي رفض اعتلاء الإرهابيين منزله فقتلوه.. أن نعيد اللحمة مرة أخرى بين الجهاز الأمني وشعبه.. أن نطهر الوزارة من المفسدين وجرائمهم على الهواء مباشرة في المناطق الشعبية.. أن نبنى من المواطنين جسرًا لا يمكن لأى تيار إرهابى القفز من فوقه.
الجريدة الرسمية