رئيس التحرير
عصام كامل

السياسى عندما يكذب


السياسى البريطانى كريس هيون، سقط وكان سقوطه عظيماً كبيت مبنى على الرمل، وسقطت مطلقته فيكى برايس معه، بعد أن كان يوماً مرشحاً لمنصب نائب رئيس الحزب الليبرالى الديمقراطى.


هو لم يسرق أو يقتل، وإنما ضُبِط فى مخالفة سير وكان مخموراً، وأقنع زوجته (قبل الطلاق)، بالادعاء أنها كانت تقود السيارة، إلا أنها بعد أن اكتشفت أن له عشيقة وقد خانها وطلب الطلاق اعترفت للشرطة بما حدث، فسقط الاثنان من علياء السياسة البريطانية إلى السجن ثمانية أشهر لكل منهما.

وهكذا فالسياسى يسقط لأنه كذب، وزوجته السابقة تسقط معه لأنها حاولت الانتقام منه أين الجريمة؟ من عمل السياسى أن يكذب، وهو لو صَدَق ما صدّقه أحد. أما الزوجة المخدوعة فمن حقها الانتقام، وهناك بالإنجليزية عبارة تقول: الجحيم لا يعرف غضباً مثل غضب امرأة احتُقِرَت.

عشت مناصفة بين بلادنا وبلادهم، ولاحظت أوجه شبه وأوجه اختلاف فى الممارسة السياسية بيننا وبينهم.

فى الولايات المتحدة هناك حزبان، الجمهورى يمين والديمقراطى وسط، فى بريطانيا حزبان أيضاً، المحافظون يمين والعمل يسار، فى بلادنا لو وُجِد حزبان أو عشرة أحزاب فهم حرامى يمين، حرامى وسط، حرامى يسار.

فى بلادنا وبلادهم تختلف الأحزاب على حصّة كل حزب من أموال الشعب، وإذا اتفقت الأحزاب على تشكيل حكومة ائتلافية فهى تتفق علينا، أى المواطنين.

الاختلاف فى موضوع السرقة بيننا وبينهم، أن السياسى الخواجه يظل عضواً فى البرلمان إلى أن يُضبَط فى سرقة، فيُحاكَم ويُسجَن. فى بلادنا البرلمانى الذى يُضبَط فى سرقة يُعيَّن وزيراً.

ربما كان أوضح الأمثلة على الكذب المشترك أن المرشح للانتخابات فى كل بلاد العالم يعِد الناخبين بأنه لن يزيد الضرائب، فلا يُنتَخب حتى يفعل.

يقولون بالإنجليزية إن اثنين لا مفرّ منهما الموت والضرائب، وقد سمعت من زاد أن الفارق بين الاثنين أن الضرائب لا تصبح أسوأ سنة بعد سنة، فالإنسان يُولد حراً ثم تستعبده الضرائب.

باختصار، الفارق بين حكومة فى بلادنا والمافيا أن المافيا تمثّل الجريمة المنظمة، أما حكومتنا ففوضى منظمة وعلى الأقل فالحكومات فى بلادهم تتغير بعد الانتخابات، أما عندنا فهى حتى النهاية، نهاية السياسى أو نهاية المواطن. وقد قرأت أن السياسيين و«حفّاضات» الأطفال يجب تغييرهم وتغييرها بانتظام حتى لا تفوح الرائحة.

ما سبق لا يمنع المرشح للانتخابات فى بلادنا وبلادهم من أن يزعم أنه لا يخوض الانتخابات ليحصل على مرتب ومخصصات، وليسرق ما يستطيع سرقته، وإنما لأنه يريد أن يخدم الشعب فقد نذر نفسه صغيراً كبيراً لخدمته.

وكنت مرة سألت صديقاً عن سرّ وجود أعضاء أغبياء فى البرلمان، وهو قال إن الأغبياء فى بلادنا غالبية ويجب أن يوجد فى البرلمان مَنْ يمثلهم.

هو إن لم يكن غبياً فلصّ، لذلك عندما كان رجل يتقدم بترشيحه للبرلمان سأله موظف لجنة الانتخابات إن كان سجله العدلى يُظهر أنه دِين فى جريمة. وردّ طالب الترشيح: لا. وسأله الموظف: لماذا؟ وردّ: لأننى لم أضبَط بعد.

الواقع أن 99 فى المئة من الناس فى كل بلد طيبون ومجتهدون ويريدون العمل والإنتاج، والمشكلة فى الواحد فى المئة الآخرين الذين ينتخبهم التسعة والتسعون فى المئة.

وأخيراً طرفة أميركية، فباص يقلّ مرشحين للانتخابات سقط فى وادٍ قرب مزرعة فلاح أسرع إلى دفن السياسيين. وعندما جاءت الشرطة سأله الضابط هل كانوا موتى عندما دفنهم. وردّ الفلاح: كانوا يزعمون أنهم أحياء ولكن أنت تعرف كيف يكذب السياسيون.

هم يكذبون إلى درجة أننى أغفر لكريس هيون وزوجته الأولى فيكى برايس، فهما لم يرتكبا أكثر مما هو متوقع منهما.
نقلاً عن الحياة اللندنية
الجريدة الرسمية