رئيس التحرير
عصام كامل

مصر بين دولة السيسى ودولة الجماعة 8


كيف يستقيم الحديث حول مصر بين الجيش الوطنى والجماعة الخائنة، دونما الحديث عن نظام مبارك ولو فى عُجالة؟!
أرى أن أصل كل المفاسد فى مصر كان ويظل فى انعدام الانتماء لهذه الأرض. وتلك خطية نظام مبارك العُظمى، التى تغلغلت فى نفوس المصريين كبيرهم وصغيرهم، لتوجد كل ما نُعانيه اليوم.


 فمع الإحساس بأنها ليست ملكاً لأهلها، ساد الإهمال مصر، وانعدم الاهتمام بها وحلت هويات أُخرى محل الهوية المصرية الجامعة، لتُفرق المصريين دينياً!!

ولا يُمكننى هنا أن أُحمل مبارك وحده كل الذنوب التى عانتها مصر، لأنه ورث الحكم بمشاكله عن السادات وعبدالناصر ومحمد نجيب، ولكل رئيس إنجازاته وإخفاقاته. ولكن مبارك أُتيحت له فرصة ذهبية لتنمية مصر بأكثر مما أُتيح لغيره، لأنه استلم الحكم فى وقت كان السلام قد حل، والتنمية هى هدف مصر الأول. وهنا لا يُمكننى بأى حال من الأحوال أن أنكر مؤسسية السياسة الخارجية المصرية فى عهده، ولكن الخدمات فى الداخل كانت مُتردية.

لقد كانت هناك أزمة مهمة لم يتعامل معها أى من رؤساء مصر جميعاً، هى "أزمة الشباب"، فتلك الأزمة ظهرت كثيراً عبر تاريخ مصر منذ 1968، سواءً فى مُظاهرات الطلبة فى ذاك العام، أو مُظاهراتهم قُبيل حرب أكتوبر وما بعدها، أو فى حال شباب مصر فى السنوات الأخيرة من حكم مبارك، وفيما يتعلق بالانتماء وربطهم ببلادهم وتاريخها تحديداً.

فيُمكننى أن أتفهم أن هؤلاء الشباب، ممن اشترك فى تلك المدعوة "ثورة"، كانوا يحاولون أن يتواصلوا مع الوطن ولكنهم فشلوا، لأن الفعل كله لم يكن صحيحاً لانتفاء الانتماء المتمثل فى المعرفة بمصر. ويدلل على هذا ما كانوا يقولونه من أنهم لأول مرة "يفتخرون بمصر"، وتلك مقولة تدل على مأساة حقيقية تُجسد عُمق تردى التعليم وأغلب الخدمات التى تجعلهم يفخرون بمصر فقط نتيجة حدث، أياً كان لأن الفخر بالوطن، لا تُمثله لحظة ولكنه دائم، أبد العمر من المولد إلى الممات وأياً كان طبيعة البلاد!!

"بلدى عملتلى إيه علشان أحبها"؟ سؤال يطرحه الكثير من الشباب وهو سؤال كارثى، رغم أننا نرفضه ولكنه متوفر، إنه غير منتمٍ لأنه لم يشعُر ببلاده، فلقد رأى شباباً يُعينون فى وظائف يستحقها هو دونهم، ولكنه لم يُعين فيها لأنهم امتلكوا الواسطة وهو "ما عندوش ظهر، وبيضرب على بطنه"!!

لقد تراجع انتماء الشباب مع التطور المُريع فى وسائل الاتصالات منذ أواسط التسعينيات، حينما اطلعوا عبر الإنترنت على تجارب العالم المختلفة، بينما لم تواكب مصر نفس تلك التطورات بالسرعة المطلوبة، أعترف أنها كانت فى الطريق ولكن التطور كان بطيئاً للغاية فى إطار تسارع نمو هؤلاء الشباب.

لقد رأوا تردى الخدمات فى الدولة، وعلو من لا يستحق، وهم فى مكانهم. فكان طبيعى فى ظل غياب الانتماء النابع عن ذلك، وبالتالى الشعور بأن مصر ليست ملكاً لهم، أن يسود الفساد ممثلاً فى السرقات واستغلال النفوذ والنصب والإهمال.. إلخ!!

إن عدم الانتماء هو الداء الأكبر النابع عنه أغلب الفساد فى مصر، ومعه جاء عدم الإخلاص هو الذى منح المتأسلمين مكانة فى قلوب البُسطاء وأعمال عنف ضد من لا ينتمون لدينهم. وهو الذى جعل شباباً يهتفون ضد جيش بلادهم، فى جهل صارخ بما يمكن أن يؤدى إليه ذلك من مأساة، نحياها اليوم!! وتلك يتحملها مبارك بجدارة، وهى ليست بالأمر الهين!!
ولذا أنهى كل مقال بذكر اسم مصر فيه، علها تكون رسالة فى حب الوطن،
وللحديث بقية،
والله أكبر والعزة لبلادى،
وتبقى مصر أولاً دولة مدنية
الجريدة الرسمية