كان غيرك أشطر!
«غريب أمركم أيها المصريون، تؤمنون بأشياء عجيبة....» جملة شهيرة من فيلم «مافيا» قالها الفنان عباس أبو الحسن لزميله أحمد السقا.. ويبدو أن القائمين على قانون «مكافحة الإرهاب» ينفذون هذه المقولة، فيستنون قوانين تتعارض مع الدستور، ويقرون تشريعات تتضارب مع تشريعات أخرى.
«المادة 33» من قانون «مكافحة الإرهاب» تنص على أنه: «يعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عملية إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة في هذا الشأن».. وهي مادة تتعارض مع الدستور الذي «يحظر توقيع العقوبات السالبة للحريات في جرائم النشر».
القانون ينص على «تعمد النشر»، فكيف تثبت جهات التحقيق هذا «التعمد»؟.. وما معاييره؟.. وما الآلية التي سيقاس بها؟.. وما الضمانة التي تحول دون دخول «الأهواء» في تطبيقه؟
هل هذه هي «دولة القانون» التي يريدها الرئيس عبد الفتاح السيسي؟.. هل هذا هو الإعلام الذي يريده سيادته؟.. هل طالب فخامته بأن يتحول «الصحفي» إلى مجرد «بوسطجي»، أو «مندوب» ينتظر «البيانات الرسمية» للوزارة، ثم ينشرها في جريدته، أو على موقعه الإلكتروني؟!.. لا أعتقد أن الرئيس يريد ذلك، ولم يخطر على باله هذا الخاطر.. لكن ماذا نفعل في «الملكيين أكثر من الملك»!
ربما يكون مَنْ أعد القانون «استكسل» أن يرجع إلى نقابة الصحفيين بشأن المواد التي تتعلق بحرية التعبير، والرأي، والنشر؛ ليأخذ برأيها في المواد التي تعطل عمل الصحافة والإعلام.
ثم وهذا هو الأهم، كيف نطالب الصحفيين بالالتزم بنشر الأخبار الصحيحة، وحتى الآن لم يصدر قانون يسمح بحرية تداول المعلومات؟.. وإذا ما اكتفت وسائل الإعلام بنشر ما ترسله الجهات الرسمية من بيانات ستفقد المهنة جمهورها؛ لأنها بدلًا من أن تكون لسان حال الشعب، ستتحول إلى بوق للحكومة.. بل الأخطر أنها ستغلق أبوابها، و«تجيب ضلفها»؛ إذا ما نشرت كل وزارة أو جهة حكومية بياناتها على موقعها الرسمي!
نعم نعترف بأن الصحفيين والإعلاميين ليس على رأسهم ريشة، والصحافة شأنها شأن أي مهنة أخرى، تصيب وتخطئ، تلتزم بالمهنية، وتشذ عنها أحيانًا نادرة.. لكن هذا لا يعني أن نشهر السيف في وجه الصحفي، ونقطع رقبته، ونلقي بها خلف القضبان.. فـ«مكافحة الإرهاب» لا يكون بـ«إرهاب الصحفيين»، لا يكون بـ«قطع لسان الحقيقة».
وعندما يقول صابر عمار، عضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، إن مشروع مكافحة الإرهاب الذي تعده اللجنة بالتعاون مع وزارة العدل، أساسه مشروع القانون الذي أعده مفيد شهاب، وزير شئون مجلسي الشعب والشورى في عهد مبارك، ويحمل عبارات مطاطية جاءت من قانون العقوبات.. كان يجب على اللجنة أن تتوقف.. لا أن تتمادى في إقراره؛ لتزيد الأمور تعقيدًا، وتكسب النظام مزيدًا من الأعداء الذين كانوا يومًا من ناصريه ومؤيديه.
إن نظام «مبارك» بكل مساوئه، لم يجرؤ على إقرار قانون، يعتبره العديد من المراقبين، «فضيحة» عالمية، وسيحدث دويًا هائلًا في الأوساط المعنية؛ لأن البعض يراه ليس لـ«مكافحة الإرهاب»، ولكن لـ«إخراس صوت الصحفيين»، الذي يجلد المسئولين المتخاذلين المتقاعسين المقصرين المنحرفين.
نقولها للجميع.. هناك فرق كبير بين قوانين
«خدمة الأنظمة» وقوانين «نهضة الأوطان».. وكان غيركم أشطر.. فلن يستطيع أحد إسكات الصحفيين..
لن يستطيع أحد أن ينال من بلاط صاحبة الجلالة.. لن يجرؤ أحد أن يكسر قلمًا شريفًا..
لن يستطيع أحد أو جهة أن تكسب معركة ضد الصحفيين الشرفاء الأحرار.. فالأنظمة تروح وتجيء
وتبقى الصحافة الحرة، ويبقى الصحفي الحر، ويبقى صوت الحرية!