رئيس التحرير
عصام كامل

نصر حامد أبو زيد.. لكل من اسمه نصيب «بروفايل»

نصر حامد أبو زيد
نصر حامد أبو زيد

من الحلم بأن يكون ناقدًا أدبيًا إلى اتهامات بالكفر، وحكمًا من المحكمة يعتبره مرتدا ويفرق بينه وبين شريكة عمره، لا لشيء سوى لرفضه نطق الشهادتين أمام المحكمة، الشهادتان اللتان بدأ بهما أول محاضراته في جامعة ليدن الهولندية معلنًا أن رفضه نطق الشهادتين أمام المحكمة لم يكن لشئ سوى رفض أن تكون هناك سلطة تفتش قلوب الناس.


وحتى مع وفاة نصر حامد أبو زيد في مثل هذا اليوم 5 يوليو 2010 لم تكف المواقع التكفيرية عن نهش سيرته، ولم يراعوا في ذلك نطقه للشهادتين، فلم يكن الدين هو المستهدف من ثورتهم ضده، وإنما كان صراعهم معه هو أن لا يريد أن ينصاع لنسختهم من الإسلام، فاعتبروا وفاته بفيروس غامض نصرًا للإسلام، وهم لا يعلمون أن لكل من اسمه نصيبًا و«نصر» انتصر على رؤيتهم حتى في قبره.

وكما جاءت وفاة أبو زيد في يوليو كان ميلاده أيضا في يوليو ولكن من العام 1943، بدأ تعليمه في "الكتاب" تهميدًا لانتقاله إلى الأزهر، إلا أنه لم يستكمل تعليمه واكتفي بدبلوم المدارس الصناعية قسم اللاسلكي عام 1960 لوفاة والده واضطراره لإعالة أسرته، إلا أن حلمه بأن يكون "ناقدًا أدبيًا" ظل يرواده، فعمل بمؤهله كفني لاسلكي بالهيئة المصرية العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية، واستكمل دراسته في المدارس الليلية ليحصل على الثانوية العامة ثم ليسانيس اللغة العربية من كلية الآداب ليتم تعينه معيدًا ثم يحصل على الماجستير والدكتوراة في الدراسات الإسلامية بذات الكلية، ويكتب له النصر في معركته الأولى ضد الفقر الذي كاد أن يحرمه من التعليم.

وفي الجامعة كانت معركة نصر الثانية عام 1993، حيث قدم أطروحته "نقد الخطاب الديني" لترقيته لدرجة أستاذ كما هو متبع في نظام الترقيات بالجامعات، إلا أن الأطروحة التي اشتملت على نقد التراث الديني أثارت جدلًا، وتشكلت لجنة من الأساتذة كان أعضاؤها عبد الصبور شاهين، محمد البلتاجي، وأحمد هيكل، وإسماعيل سالمان والذين اتهموا نصر بالكفر في أبحاثة، وقاموا بتأليف الكتب للرد عليه.

وكان فقه أبو حنيفة هو وسيلة خصوم نصر للانتقام منه، حيث قاموا باستغلال مبدأ "الحسبة" في الفقه الحنفي الذي تحكم به محاكم الأحوال الشخصية، وطالبوا المحكمة بالتفرقة بينه وبين زوجته ابتهال يونس أستاذة الأدب الفرنسي تحت دعوى أنه مرتد، ووقف أبو زيد أمام المحكمة التي طالبته بنطق الشهادتين إلا أنه رفض، فحكمت المحكمة بتفرقته عن زوجته، فجاء نصره الثاني بزوجته التي هاجرت معه من مصر رافضة أن تعيش في أرض تمنع فيها عنه.

أما الانتصار الثالث فجاء في أول محاضراته بجامعة "ليدن" الهولندية التي كان فيها أستاذ زائر، حيث فوجئ الجميع بنطقه البسملة والشهادتين، مؤكدًا أنه مسلم مؤمن إلا أنه رفض أن تكون للمحكمة سلطة للتفتيش في قلوب البشر، وللتأكيد على أنه باحث ناقد للتراث الديني من قلب دائرة الحضارة العربية.

وبعد 15 عامًا قضاه أبو زيد في هولندا، واجه معركته الأخيرة التي هزم فيها أمام الموت حيث قضى نحبه بعد إصابته بفيروس غامض حار فيه الأطباء، إلا أن تلك المنحة جاءت بنصر جديد حيث عاد إلى مصر ليدفن في تراب وطنه الذي غادره مضطرًا ليموت بعد أسبوعين فقط من عودته، ويعود الجدل حول أبحاثه وقضيته ولكن بكثير من التفتح الذي جعل الجميع يرى أبو زيد المنتصر على محاكم التفتيش.
الجريدة الرسمية