محمد بديع.. مرشدٌ أتلف نفسه «بروفايل»
«الإخوان يرفضون رفضًا تامًا أن يترشح أحد منهم لرئاسة الجمهورية، وهذا ليس لعجز فيهم أو في مصر، التي تزخر برجال كثيرين يستطعيون حمل الأمانة، وإنما ينبع من خوفهم على مصر».
«الإخوان لن يدعموا أحدًا منهم في الانتخابات، وأن ترشيح أحدهم يعد خروجا على الجماعة، ويساعد القوى المتربصة لمصر في استغلال الترشح كذريعة لمهاجمة الإخوان واتهامهم باللعب بالسياسة والسطو على الثورة المصرية».
الفقرتان السابقتان ربما كانتا أشهر ما قاله الدكتور محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان، الذي فرض وصوله إلى رأس الجماعة، علامات استفهام عديدة، خاصة أن عملية انتخابه واكبت خروج الدكتور محمد حبيب، نائب المرشد العام حينئذ، وانشقاق القيادي عبد المنعم أبو الفتوح، بالإضافة إلى اتهامات بتزوير الانتخابات لصالح «بديع»؛ للقضاء على التيار الإصلاحي في الجماعة.
احتفظ الشعب بالعديد من المواقف المتناقضة لمرشد الإخوان، ففي مارس 2010، أرسل «بديع» برقية إلى الرئيس مبارك، تمنى له الشفاء العاجل، وهنأه بسلامة العودة إلى الوطن.. وفي حوار تليفزيوني له، قال: «مبارك أب لكل المصريين».. كما لم يعارض «بديع» ترشح جمال مبارك للانتخابات الرئاسية، مؤكدًا أن «الجماعة لا تعارض هذا؛ شريطة ألا يتم تمييزه عن باقي المرشحين».. ثم اعترف بإخلاء بعض الدوائر الانتخابية عام 2010، لصالح مرشحي «الحزب الوطني».. إلا أن «بديع» - شأنه شأن كل الإخوان - عاد وتبرأ مما خَطَّه بيده، وقاله بـ«عضمة لسانه»، بعد «ثورة يناير»!
«بديع مِكس كل حاجة والعكس».. فـ«المرشد» كان يرى أن الإعلام منارة الأمم وأحد أسباب رفعتها وتقدمها، عندما يحتفي بالإخوان، إلا أنه عاد ووصفه بإعلام «الكذب والضلال» عندما هاجم أعضاء الجماعة، وفضح مخططاتهم ضد الوطن.. والصحفيون والإعلاميون الذين دافعوا عن الإخوان في عهد مبارك، هم أنفسهم الذين وصفهم «بديع» بـ«سحرة فرعون، وأن الشيطان هو مَنْ يوحي لهم بالهجوم على الإخوان»!
في 7 سبتمبر 2011، قال «بديع» إن «الرئيس القادم لا بد أن يكون ترسًا في ماكينة مصر، ولا يتبع تيارًا سياسيًا بعينه»، إلا أن المرشد نفسه هو الذي حرص على أن يكون «محمد مرسي» رئيسًا خالصًا مُخْلِصًا لجماعته، وأهله، وعشيرته.
عندما لاحت في الأفق بوادر نجاح ثورة «25 يناير»، واقتراب الإطاحة بـ«مبارك»، دفع «بديع» بجنوده إلى ميادين الثورة في المحافظات، ليكونوا رهن إشارته، بينما كان هو وأعضاء مكتب إرشاده يتفاوضون مع قيادات المجلس العسكري على إخلاء الميادين من المتظاهرين، ثم الاتفاق على تقسيم الغنائم، في وقت لم تبرد فيه دماء الشهداء، ولم تهدأ صرخات المصابين، ولم تجف دموع الثكالى.
وَفَّى «بديع» بوعده، فلم يرشح إخوانيا للرئاسة، وإنما دفع بـ«مرشحين»، الأساسي نائبه «خيرت الشاطر»، الذي لم تقبل أوراقه من قِبل اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، فتم الدفع بـ«الاحتياطي» محمد مرسي، ليصل إلى كرسى الرئاسة.. ومنذ هذه اللحظة تتحول وِجْهةُ الحكم، من قصر الاتحادية في مصر الجديدة، إلى مكتب الإرشاد في المقطم، الذي تصدر من خلاله أخطر القرارات.. مع سوء أداء والإخفاقات المتوالية للرئيس الإخواني، على المستويين الداخلي والخارجي، تزيدات موجة الغضب الشعبي ضد الإخوان، ووصلت إلى ذروتها بمقتل أكثر من ثمانية أشخاص في الأحداث المشهورة إعلاميًا بـ«أحداث الاتحادية»، فهاجم المتظاهرون مكتب الإرشاد، ورشقوه بالمولوتوف والحجارة، وليلتئذ خرج «بديع» متجاهلًا الدماء التي سالت ليقول: «وما ذنب النباتات»؟!
بعد «أحداث الاتحادية» تأكد المصريون - إلا الإخوان والمتعاطفون معهم - أن الحاكم الفعلي لمصر هو «محمد بديع»، وليس «مرسي»، خاصة بعد الفيديو الشهير الذي يملي فيه «المرشد» على «الرئيس» كلمة «القصاص»، فخرجت الأصوات تهتف: «يسقط يسقط حكم المرشد»!
بعد عزل «مرسي»، خرج المرشد من مكتب الإرشاد متجهًا إلى «رابعة العدوية»؛ ليحرض على العنف، وإراقة الدماء، ثم هرب من ميدان الاعتصام متخفيًا، إلى أن أُلقي القبض عليه، وتم تقديمه إلى المحاكمة، ليحصل على حكم بـ«الإعدام» في «الهروب من سجن وادي النطرون»، و«غرفة عمليات رابعة» والمؤبد في «أحداث البحر الأعظم، والعنف بالمنيا» وينتظر أحكامًا في 32 قضية أخرى، ما زالت منظورة أمام القضاء.
والآن لو قُدِّر لـ«محمد بديع» أن يتكلم، ويوجه رسالة إلى أعضاء جماعته، لكان لسان حاله يقول: «وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ..».