رئيس التحرير
عصام كامل

«التشوف إلى رجال التصوف» أهم المصادر التراثية المغربية.. يكشف الرصيد الثقافي والسياسي بين القرنين الخامس والسابع الهجريين.. يترجم أخبار 277 عالمًا صوفيًّا.. وأبواب الكتاب تتبارك باسم «ا

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

يعتبر كتاب "التشوف إلى رجال التصوف" لابن الزيات، من أهم المصادر التراثية المغربية التي استطاعت الكشف عن مناقب كثير من المتصوفة في المغرب، فقد ضم بين دفتيه أخبار وتراجم ما يربو عن 277 من أبرز رجال العلم والتصوف وذلك إلى حدود سنة (517هـ/1123م)، وطبع الكتاب ضمن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية في مدينة الرباط بالمغرب، في سلسلة بحوث ودراسات، حيث حققه وزير الأوقاف والشئون الإسلامية المغربية أحمد التوفيق عام 1984م.


تاريخ المغرب
ويشتمل الكتاب- إلى جانب تلك التراجم والأخبار- على مادة تاريخية في غاية الأهمية والدقة، تخص الجانب الاجتماعي والفكري والسياسي من تاريخ المغرب، حيث كتب العمل في ظرف زمني دقيق، وقد مثلت الفترة الزمنية الممتدة ما بين القرني الخامس والسابع للهجرة منعطفا حاسما في التاريخ الثقافي بالمغرب الأقصى، وتضعنا مادة الكتاب أمام رصيد تاريخي مغرٍ يفسر لنا الاهتمام المتزايد بالكتاب من قبل الباحثين في تاريخ المغرب خاصة، لا من زاوية التاريخ الديني فحسب، على حد تعبير "أدولف فور"، بل حتى من منظور التاريخ الكلي، اجتماعيا وثقافيا.

علوم التصوف
وأشار المؤلف في مقدمة كتابه إلى أنه قد جرد الكتاب من علوم التصوف، واقتصر على سرد أخبار الرجال؛ فإنها مع ذلك تكشف بطريقة أو بأخرى جانبا مهما من تاريخ التصوف بالمغرب.

إن قصد ابن الزيات من تأليفه لهذا الكتاب هو "إعلام كثير ممن خفي عنهم من كان بحضرة مراكش من الصالحين ومن قدمها من أكابر الفضلاء"، وهو ما قرره في مقدمة كتابه بقوله: "ولما خفي عن كثير علم من كان بحضرة مراكش من الصالحين ومن قدمها من أكابر الفضلاء، رأيت أن أفرغ لذلك وقتا أجمع فيه طائفة أدون أخبارهم وأضيف إلى ذلك من كان من أعمالها وما اتصل بها من أهل هذه العدوة الدنيا".

أفاضل الفقهاء
واعتمدت في الأخبار على أصحها سندا وأقربها إلى الصواب لفظا، ونبهت، عند ذكر كل رجل ذكرته، على مقامه المعلوم له، وإن كان مشتملا على أضرب من أفاضل العلماء والفقهاء والزهاد والورعين، وغير ذلك من ضروب أهل الفضل؛ فإن اسم الصوفي يصدق على جميعهم بوضع هذا الاسم عند المحققين".

أسانيد صوفية
يضم كتاب "التشوف" تراجم عدد من الرجال الذين تنتهي إليهم معظم الأسانيد الصوفية في المغرب، وقبل أن يذكر المؤلف مختلف الإعلام المترجم لهم خصص مقدمة أو مدخلا لهذا المصنف ضمنها سبعة أبواب اعتبرها لازمة: الباب الأول: في صفة الأولياء، الباب الثاني: في حفظ قلوبهم وترك النكير عليهم، الباب الثالث: في محبتهم، الباب الرابع: في زيارتهم ومجالستهم، الباب الخامس: في حسن الثناء ووضع القبول لهم في الأرض، الباب السادس: في إثبات أحوالهم، الباب السابع: في إثبات كراماتهم ويشتمل على فصول.

وأول من ترجم لهم من الأولياء هو محمد بن سعدون القروي، وآخرهم أبو علي عمر بن علي، قال ابن الزيات: "واخترت أن أبتدئ وأختم بمن اسمه محمد تبركا باسم نبينا صلَّى الله عليه وسلَّم، والله سبحانه المسئول والمأمول في المعونة على ما فيه رضاه والعصمة من الزلل في القول والعمل، وأن يجعل أعمالنا وأقوالنا خالصة لوجهه الكريم. إنه سميع مجيب وهو حسبي ونعم الوكيل". 

ثغرات وانتقادات
القراءة المتأنية لكتاب "التشوف" تكشف أن "ابن الزيات" لم يكن ذلك المؤلف الذي اقتصر ظاهر عمله على سرد الأحداث، وأخبار الرجال، وذكر كراماتهم وولاياتهم، بل كان واعيا بكنه ما يكتب، ومدركا لخصوصية المادة التي يجمعها.

وكأي مؤلف علمي، لم يسلم كتاب التشوف من بعض الثغرات والانتقادات، خصوصًا منها مؤاخذة البعض له لعدم إدراجه لترجمات كثير من الزهاد والصالحين، خصوصًا في المنطقة التي اهتم بها وفي المدة الزمنية التي تناولها، حيث لم يدرج مثلا- ترجمة القاضي عياض والسهيلي وغيرهما رغم منحاهما الزهدي، فكانت هذه النقطة مما يؤخذ على هذا الكتاب.

الهوامش
وابن الزيات هو يوسف بن يحيى بن عيسى بن عبد الرحمان التادلي، المعروف بابن الزيات، كان شيخا وفقيها وقاضيا وأديبا، ويذكر البعض أنه صحب أبا العباس السبتي، ولقي أبا محمد عبد الله بن سليمان بن داود بن حوط الله الأنصاري، وأبا عمرو عثمان بن عبد الله الفاسي المعروف بالسلالقي أو السلالجي.

أخذ العلم عن شيوخ كبار من أمثال أبي موسى عيسى بن عبد العزيز القزولي الذي كان قطبا في علوم العربية، وأبي القاسم أحمد بن بقي الأموي، وغيرهما، وقد أكسبه التتلمذ على يد هؤلاء الكبار مكانة علمية كبيرة، ومتانة في اللغة العربية، الجانب الذي يبرز بشكل جلي في كتابه "التشوف".

ويعد كتاباه "التشوف وأخبار أبي العباس السبتي" من أبرز تآليفه في التصوف، وإن كانت تنسب إليه تأليفات أخرى في صلحاء المغرب لم تثبت نسبتها إليه، وتوفي التادلي في مدينة ركراكة سنة 627هـ.
الجريدة الرسمية