الناس البلاستيك
بمجرد مجيء شهر رمضان تتردد على ألسنة الكثيرين جملة "إمتى هايخلص.. إحنا تعبنا".. هكذا كان استقبال شهر الروحانيات هذا العام وفي السنوات الأخيرة، بعد أن كان ينتظره الناس بفارغ الصبر ويعدون العدة للاحتفال بقدومه.. ويقضون أيامه في بهجة وسرور، وعندما يقترب موعد رحيله يشعر الجميع بالحزن الشديد لفراقه.
ماذا حدث للناس؟.. الفقير والغني يشعران بالضجر من شهر تسمو فيه الروح.. ويملأ النفوس بالرضا والتكاتف والخير.. وتتجدد فيه الذكريات الجميلة والكفيلة بأن تجعل كل إنسان سعيدًا، كلما استعاد ذكرياته مع روحانيات رمضان منذ الطفولة المبكرة، ومرورًا بصباه وشبابه.
إلى هذه الدرجة تحول الناس إلى كائنات بلاستيك دون روح.. وغير قادرة على تلمس روعة رمضان، وعاجزة عن التلذذ بذكرياته.. فلا تتسلل إلى نفوسهم النفحات الإيمانية والقرآنية المرتبطة بهذا الشهر الفريد في كل مفرداته.
هل ماتت داخل الناس المشاعر الدافئة التي كانت تملأ البيوت والمساجد والشوارع طوال أيام وليالي شهر الصيام، فيتعانق الجميع على الحب والعطاء والرحمة وصفاء الروح.
أشياء كثيرة في حياتنا أصبحت دون طعم، بدءًا من أنواع الفواكه والخضراوات والمشروبات وشتى صنوف الطعام.. وانتهاءً بجفاء التعاملات بين الناس وداخل الأسرة الواحدة في أحايين كثيرة.. حتى الأحلام والآمال أصابها ما أصاب باقي شئون البشر من جمود وتبلد.
وكان شهر رمضان حتى وقت قريب، محطة لتزويد النفوس بطاقة روحية تبعث في قلوب الجميع بحياة نستمد منها إنسانيتنا الراقية باقي العام.. لكنه تحول إلى "أيام وبتعدي" بلغة ومشاعر الناس البلاستيك.
وتذكرت مقال المبدع أحمد بهجت، عن أحد أيام الصيف شديد الحرارة في الثمانينيات، وكيف قطع المسافة بين مطار القاهرة لمؤسسة الأهرام بسيارته الفولكس العتيقة.. وعندما شاهد طوال الطريق عددًا كبيرًا من سيارات "الفيات" وقد تعطلت؛ بسبب عدم تحملها الحر الشديد، اكتشف لأول مرة قيمة الفولكس التي لم تتأثر بهذا الحر.. وتساءل كاتبنا الكبير "رحمه الله"، ماذا سنفعل في حر يوم القيامة؟، خاصة أن كل الناس "فيات".
استدعيت هذا التساؤل الفلسفي.. وسيطر على عقلي تساؤل آخر.. كيف ستستمر بنا الحياة؟.. وما جدواها طالما أصبحنا جميعًا "بلاستيك" ومن النوع الصيني الرديء؟!!!