رئيس التحرير
عصام كامل

تلك هى البداية


تستمد أى سلطة حاكمة مشروعيتها من التزامها بالدستور، واحترامها لسيادة القانون، وتنفيذها لأحكام القضاء.. هذا هو المعمول به فى الدول المتحضرة.. لكن حين تستخدم السلطة العنف فى مواجهة الجماهير، فتقتل، وتنتهك حقوق الإنسان، وحين تعمل على تغييب العدالة، أو تكون العدالة انتقائية، أو حين تغض الطرف أو تصمت إزاء جرائم ارتكبت فى حق الشعب، فإن هذه السلطة تفقد مشروعيتها.. وهى لا محالة إلى زوال.. هذا هو القانون الربانى.. فالدولة العادلة، تبقى وإن كانت كافرة.. والدولة الظالمة، تفنى وإن كانت مسلمة.. هذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.


لقد ارتكبت جرائم فى حق شعب مصر حين قام بثورته خلال الثمانية عشر يوما فى عهد الرئيس المخلوع.. لكن مهرجان "البراءة للجميع" كان ينتظر القتلة، والسبب عدم وجود الأدلة التى تم تغييبها عمدا لمصلحة الكبار.. كان لابد من تنفيذ العدالة الانتقالية، للوصول إلى الجميع، إلا أن تواطؤ من كان فى الحكم آنذاك حال دون تنفيذها.. وارتكبت جرائم أو مذابح أخرى بعد ذلك فى ماسبيرو ومحمد محمود (١) ومجلس الوزراء واستاد بورسعيد ومحمد محمود (٢) والعباسية، ومحمد محمود (٣) فى عهد المجلس العسكرى وعلى رأسه المشير طنطاوى والفريق سامى عنان.

ومع ذلك، لم يقدم أحد للمحاكمة على هذه الجرائم، باستثناء من قاموا بتنفيذ مجزرة استاد بورسعيد يوم ١ فبراير ٢٠١٢، حيث صدر الحكم بإعدام ٢١ متهما.. كان فى القضية ٩ من ضباط الداخلية، صدر الحكم على اثنين منهم فقط، والباقى براءة..أما الذين فكروا ودبروا وخططوا لارتكاب المجزرة من علية القوم فقد ظلوا - كما العادة - بمنأى عن أية محاكمة.. وربما كان هذا هو السبب الحقيقى وراء غضب شباب الألتراس من ناحية، وشعب بورسعيد من ناحية أخرى.

فى عهد الدكتور مرسى، سقط أكثر من ٧٠ شهيدا فى بورسعيد والإسماعيلية والسويس والقاهرة، هذا فضلا عن إصابة الآلاف.. ناهيك عن انتهاكات حقوق الإنسان، من تعذيب وحشى وصل إلى الموت فى بعض الحالات، واغتصاب لفتيان صغار فى معسكرات الأمن..

فى عهد المجلس العسكرى أو الدكتور مرسى، عادت أيام الرئيس المخلوع.. كأنه لم تكن هناك ثورة قام بها الشعب المصرى.. كأنه لم يكن هناك شهداء، ولا جرحى أو مصابون.. سوف يقال: إن من قتل كانوا "بلطجية".. نقول حتى لو كان هذا الزعم صحيحا، فليس هناك مسوغ لاستباحة دمائهم.. وإلا فأين القانون؟! وأين القضاء؟! لكن - للأسف - نحن فى دولة اللادولة (!!)

ثم ها نحن أمام مشهد غريب وعجيب.. مشهد لم تشهده مصر من قبل.. ضباط وأفراد الداخلية أضربوا عن العمل.. قطاع منهم يقول نحن لا نريد أن نكون أداة فى صراع سياسى، مع طرف ضد طرف آخر.. وقطاع ثان يطالب بضرورة التسليح دفاعا عن النفس، فى مواجهة هجوم "البلطجية" (!).. وقطاع ثالث يطالب بأن يكون هناك فرز علمى وواقعى وحقيقى بين من هو متظاهر ومن هو بلطجى.. ترى ما الذى أوصلنا إلى هذا الحال؟!

يا سادة نقول مجددا لابد من احترام سيادة القانون, وأن يكون الكل حاكما أو محكوما، أمامه سواء، تلك هى البداية، وغير ذلك هو حرث فى بحر أو قبض ريح.. فهل نحن على استعداد أن نعيش دولة القانون؟!



الجريدة الرسمية