رئيس التحرير
عصام كامل

بين الأزهر والفاتيكان


أطلق انتخاب الكاردينال الأرجنتينى خورخى ماريو بورغوليو بابا جديدًا للكنيسة الكاثوليكية ألف تعليق وتعليق على الكنيسة التى تضم أكثر من 1.2 بليون عضو حول العالم، وعلى مشاكلها من مالية وجنسية ومستقبلها، غير أننى أريد أن أتناول الموضوع من زاوية العرب.


الكاردينال الأرجنتينى المحافظ سيُعرف باسم البابا فرنسيس الأول، وهو البابا الرقم 266 فى كنيسة القديس بطرس. وأنا أقترح هنا أن يفتح الأزهر الشريف، وشيخه الدكتور أحمد الطيب، حواراً مع البابا الجديد لبدء تعاون ضد حكومة إسرائيل وسياستها الاستيطانية العنصرية.

أرجو أن يكون واضحًا أننى لا أدعو إلى حلف معلن أو سرّي، وإنما مجرد تعاون، وهذا التعاون ليس ضد اليهود فى أى بلد، أو ضد إسرائيل، وإنما ضد حكومة مجرمى حرب قتلة تركت إسرائيل فى عزلة خطرة حول العالم، كما قال مؤتمر اللوبى (ايباك) فى واشنطن قبل أيام.

هناك مقاطعة واسعة النطاق تنفذها كنائس بروتستانتية دعت أتباعها إلى عدم الاستثمار فى إسرائيل أو شراء منتجات من الأراضى المحتلة. والكنيسة الكاثوليكية لها وجود فى الأراضى المحتلة وتحديداً فى القدس، وتعرف جيداً ما ترتكبه إسرائيل من جرائم يومية ضد الفلسطينيين، فاتحاد الطوائف المسيحية هناك يسجلها بانتظام.

البابا الجديد أعاد إليّ ذكرى البابا الوحيد الذى رأيته وحدّثته، وكان البابا يوحنا بولس الثاني. والفرصة جاءت عندما قام الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وزير الدفاع السعودى فى حينه، رحمه الله، بزيارة رسمية إلى إيطاليا فى تسعينات القرن الماضى شملت اجتماعًا مع البابا فى قصره الصيفى فى كاستلغوندولفو.

كان الوفد الرسمى الذى رافق الأمير سلطان كبيرًا، وانضم إليه عدد أكبر من الزوار العرب. غير أن الزيارة إلى المقر الصيفى اقتصرت على الأمير سلطان، والأمير محمد بن نواف السفير السعودى لدى إيطاليا فى تلك الأيام، والسفير فى لندن الآن، وأنا واثنين من المرافقين.

كتبتُ فى حينه كيف استغل الأمير سلطان الفرصة لحضّ البابا على العمل لحماية القدس من الاعتداءات الإسرائيلية على أملاك العرب والمسلمين فيها. كان البابا منحنى القامة ضعيفاً، إلا أن عقله بقى حاداً، وهو تكلم بإيجابية من دون أن يُلزم نفسه بوعود لا تنفذ، وقال إنه يصلّى لتتحسن صحة الملك فهد، ولرفاه الشعب السعودي.

فى طريق العودة إلى روما، قلت للأمير سلطان إن حديثه مع البابا عن القدس أعاد إليّ ذكرى العهدة العمرية عندما طرد الخليفة عمر بن الخطاب، بناء على طلب البطريرك صفرونيوس، اليهود من المدينة المقدسة، مع إعطائهم فرصة لبيع ما يملكون أو حمل المنقول معهم إلى بلاد الروم. والفاروق عمر ترك المدينة للمسيحيين، وسلّم مفتاح كنيسة القيامة لواحد من الصحابة المرافقين بعد أن وجد الطوائف المسيحية مختلفة على حجم حصّة كل منها داخل الكنيسة. ولا يزال المفتاح حتى اليوم فى سلالة ذلك الصحابيّ، وهو اليوم مع أسرة نسيبة.

العهدة العمرية مَثَل يُقتدى، وليس المقصود تحالفاً ضد اليهود كشعب، وإنما مجرد تعاون بهدف إحباط مخططات الحكومة الإسرائيلية الفاشستية العنصرية الاعتداء على المقدسات المسيحية والإسلامية فى المدينة، وطرد السكان وسرقة بيوتهم.

الواقع أن أسس هذا التعاون موجودة فى القدس اليوم. فالمسلمون والمسيحيون فيها يدٌ واحدة ضد الاحتلال كما كتبت قبل أسابيع فقط ما لا أحتاج إلى تكراره هنا.

أعتقد أن التعاون بين الأزهر الشريف والفاتيكان ينفذ رغبة للأمير سلطان بن عبدالعزيز، سلطان الخير، والدكتور أحمد الطيب بعلمه واعتداله خير مَنْ ينهض بهذه المهمة بين المسلمين.

نقلاً عن الحياة اللندنية

الجريدة الرسمية