يهود العراق.. والمواطنة المنتزعة
صدر حديثا في العراق كتاب "يهود العراق والمواطنة المنتزعة"، للكاتب الدكتور كاظم حبيب، في 800 صفحة من القطع الكبير.
ويستعرض الكتاب تاريخ وجود اليهود بالعراق منذ السبي الأول وإلى حين صدور قانون إسقاط الجنسية عنهم في العام 1950/1951، الذي أدى إلى هجرة ما يزيد على 120 ألف مواطن ومواطنة من أتباع الدين اليهودي خلال فترة قصيرة، كما يبحث في حياتهم الاجتماعية ودورهم في مجالات الاقتصاد والمال والأدب والفن، وبشكل خاص في مجالات الموسيقى والغناء، والسياسة وعموم الحياة الثقافية العراقية.
ويتطرق الكتاب إلى المعاناة التي واجهتهم في فترات مختلفة بسبب التمييز الديني الذي شهده العراق على امتداد تاريخه الطويل ومنذ وصول اليهود إلى بلاد ما بين النهرين (ميزوبوتاميا)، كما يبرز معاناتهم الاستثنائية في فترة تصاعد الفكر القومي النازي المناهض للسامية بألمانيا وتأثيره الفعلي على الفكر القومي اليميني العربي، وأحداث فاجعة ومجزرة "الفرهود ضد اليهود" في العام 1941 ببغداد والبصرة، ومواقف القوى السياسية العراقية من ذلك، ثم يتطرق الكتاب بالتفصيل إلى العوامل الكامنة وراء تلك الهجرة الجماعية ومن يقف خلفها.
من أجواء الكتاب: "لقد عارضوا الحركة الصهيونية ولم ينتسب إليها غير القليل منهم، بيد أن الاضطهاد الفاشي الذي شنه القوميون والإسلاميون عليهم لم يترك للبعض منهم خيارا غير قبول فكرة الصهيونية، غير أن الأكثرية بقيت ملتزمة بهويتها وجنسيتها العراقية حتى أثارت المخابرات الإسرائيلية مخاوفهم بفضيحة القنابل وإثارة الرعب بينهم، وهكذا تعرضوا للاضطهاد الفاشي من ناحية والغط الصهيوني من الناحية الأخرى".
الحقيقة أن الرأي العام العراقي كان مسبقا يتجاوب مع النازية وهتلر لأسباب كثيرة، منها أن ألمانيا كانت حليفة لتركيا المسلمة في الحرب العظمى وهناك البغض الوطني لإنجلترا كدولة استعمارية احتلت العراق وأصدرت وعد بلفور، وعدو عدوي صديقي، ولعبت الدعاية النازية على هذه الأوتار، ومنها إذكاء النزعة اللاسامية ضد اليهود.
تعددت الآراء في تحليل هذا القانون ومن تسبب به، ولكن ما حدث هو أن الاضطهاد المرير الذي تعرض اليهود له، حمل الكثير منهم إلى الهروب من العراق سرا، واجهت الشرطة مصاعب كثيرة في منعهم ومطاردتهم وانتشرت الرشوات والسرقات بسبب ذلك، ويظهر أن الحكومة تعبت من ذلك فاستجابت للضغوط الخارجية في حسم الموضوع بإعطائهم حق الخروج الشرعي.
يقال إن بعض وزراء العراق قبضوا عمولة عن إصدار القانون، لم يتقدم لطلب الخروج في الشهور الأولى غير عدد قليل، فارتاعت إسرائيل من هذا التردد فبعثت بوكلاء الموساد لإثارة مخاوف اليهود بعدد من التفجيرات والحملة الإعلامية، ونجحت العملية فتعاظم عدد من قرروا الهجرة، ولا شك أن الاضطهاد الشوفيني كان السبب الأول للهجرة.