مفاوضات «ابتزاز القاهرة».. إثيوبيا تبدأ مخطط «استنزاف» مصر بـ«المنح» والخبرات الفنية.. ومستشار «ديسالين» يتفاوض مع رجال الأعمال المصريين.. 6 ملايين دولار منحًا
هل تدرك القاهرة أن أزمة «سد النهضة» تحتاج إلى «النفس الطويل»؟ وهل تمتلك الإدارة السياسية الخطط البديلة لاستخدامها حال وصول أمر المفاوضات مع «أديس أبابا» لطريق مسدود؟ وهل تدرك تلك الإدارة أن إثيوبيا من الممكن أن تستغل الأمر أسوأ استغلال، ومن الممكن أن تتعدى مطالبها حد الاتفاقيات لـ«الابتزاز»؟
أسئلة ثلاث من الأفضل أن تكون الجهة المسئولة عن إدارة ملف أزمة «سد النهضة» الإثيوبي، لديها إجابات وافية كافية عنها؛ لأن التحركات التي يشهدها الواقع، تؤكد –بما لا يدع مجالًا للشك- أن الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، وأن الجانب الإثيوبي بدأ في انتهاج سياسة «الأمر الواقع» و»اقتناص الفرصة» أو «الابتزاز» تحت قاعدة «المصلحة العامة»، وذلك لتحقيق أو استخلاص أفضل نتائج تصب في مصلحته هو فقط.
البداية كانت حينما طالبت «أديس أبابا»، على لسان «غيتاشيو رضا»، مستشار رئيس مجلس الوزراء الإثيوبي، المستثمرين المصريين بضخ استثمارات مصرية في بلادهم، وتأكيده أيضًا أنه التقى عددًا كبيرًا من رجال الأعمال للحديث عما وصفه بـ»بداية الاستثمار في بلاده في قطاعات عديدة على رأسها البنية التحتية».
ورغم تفاؤل البعض بالخطوة التي اتخذتها «أديس أبابا» من منطلق التعاون بين البلدين، فإن تصرفات الجانب الإثيوبي بعد تلك الخطوة كانت سببًا في استياء المتابعين للشأن المائي وأعضاء في لجنة الخبراء الوطنية لمفاوضات «سد النهضة»، بعد أن أكدوا أن ما تمارسه إثيوبيا هو نوع من «الابتزاز» للقاهرة؛ من أجل ضخ أكبر قدر من الاستثمار قبل أي إنجاز في المفاوضات.
مؤخرًا جاء قرار الجانب الإثيوبى بتأجيل مفاوضات «سد النهضة» التي كان مقررًا لها منتصف الشهر الماضي وفقًا لتصريحات الدكتور حسام مغازي، وزير الري، ليتم التأجيل لمدة شهر آخر، ليؤكد أن إثيوبيا أعلنت حرب «الاستنزاف» على القاهرة، وأن الأمور من الممكن أن تشهد مزيدًا من المطالب الإثيوبية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الفترات التي تم تأجيل مفاوضات «سد النهضة» طالب بينها الجانب الإثيوبي وزارة الري ببعض المنح من أجل أعمال البنية التحتية لسد النهضة، بجانب إرسال المهندسين المصريين لتكملة بناء السد قبل التوقيع مع المكاتب الاستشارية، بجانب إرسال بعض المبالغ المتبقية من منح مصرية تم تقديمها إلى إثيوبيا في السنوات الماضية.
ورغم أن حجم المنح خلال 2014 فقط، وصل إلى 6 ملايين دولار وفق التقرير الختامي لوزارة الموارد المائية والري تضمن إنشاء أعمال بنية تحتية ومحطات تحلية مياه، فإن مصدرًا داخل اللجنة الثلاثية لمفاوضات سد النهضة أكد أن إثيوبيا تعمل في الفترة الأخيرة على «ابتزاز» مصر من خلال طلباتها التي وصلت إلى أكثر من ثلاث طلبات في أقل من شهرين، طالبت فيه بمنح أخرى وإرسال عدد من المهندسين المصريين في تلك الفترة.
المصدر ذاته أوضح أن الأمر لم يقف عند الطلبات، لكن خرج ممثل الجانب الإثيوبى في اللجنة الثلاثية، ليؤكد أن إنجاز المفاوضات يتوقف على التزام مصر بالتعهدات التي قطعتها على نفسها بمساعدة إثيوبيا من خلال المهندسين والموارد المائية، كما نصت على ذلك اتفاقية المبادئ التي تم توقيعها في الخرطوم.
رجال الأعمال المصريين كان لهم نصيب آخر من هذا «الابتزاز» رغم وصول حجم الاستثمارات المصرية في إثيوبيا وفقًا لتقرير صادر عن مجلس الأعمال المصرية- الإثيوبية 35 مليون دولار في عدة قطاعات، على رأسها «المنسوجات والملابس الجاهزة»، إلا أن تطلعات الجانب الإثيوبي كانت تريد أكثر من ذلك.
محمود أبوالعينين، عميد مركز الدراسات الأفريقية السابق، يرى أن حكم «هايلي مريام ديسالين» لبلاده خلال الفترة الماضية اعتمد بشكل أساسي على المنح والمساعدات، مما أدى إلى نمو الاقتصاد في إثيوبيا، وهي الورقة الرابحة التي أعطت «ديسالين» فترة أخرى في الحكم في الانتخابات الماضية، وبالتالي هو يريد أن يبتز كل الشعب لا الحكومة المصرية فقط من خلال منح واستثمارات تحقق العائد لبلاده.
عميد مركز الدراسات الأفريقية السابق، أوضح أيضًا أن الجانب الإثيوبي يدرك الملفات السياسية جيدًا فهو يبتز إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وقطر وتركيا من أجل تقديم خدمات لهم في القارة السمراء، والآن يحاول نفس الأمر مع مصر من أجل سد النهضة.
وتعقيبًا على الاتفاقيات الثنائية بين القاهرة وأديس أبابان قال «أبوالعينين»: مشروعات التعاون مطلوبة، لكن لا يجب أن يكون الأمر بمثابة مساومة تقوم بها إثيوبيا من أجل استكمال مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، خاصة أن المفاوضات الفنية متعثرة، وهو الأمر الذي يضع علامات استفهام كثيرة حول ما يحدث داخل تلك المفاوضات.
من جانبه أكد الدكتور محمد نصر علام، وزير الري الأسبق، وجود تعنت من الجانب الإثيوبي لتحقيق أكبر قدر من مصالحه التي تمثلت في البداية في عدم وجود أي مادة تنص على وقف بناء «سد النهضة» أثناء المفاوضات، بالإضافة إلى انتزاع الشرعية الدولية لبناء السد من خلال اتفاقية الخرطوم، والآن كانت الخطوة الثالثة من خلال الاستثمارات.
«علام» أضاف بقوله: الاستثمارات وحجم المنح التي تقدمها الدول لإثيوبيا تعد من أعلى نسب المنح في القارة السمراء، خاصة أن ما يطلبه «ديسالين» ليس قرضًا أو مشروعات تعاون بل هي منح لا ترد، ورغم ذلك يصر على أن تقدم مصر منحًا وخبرات بشرية، شريطة أن يكون هناك «اتفاق».
"نقلا عن العدد الورقي.."