لماذا القتل؟!
يوم العاشر من رمضان ارتبط في أذهان المصريين بانتصار أكتوبر العظيم في حرب أعادت للمصريين والعرب كرامتهم، وأوقفت صفاقة وصلف وتجبر إسرائيل.. أتذكر ذلك اليوم وأتذكر السادس من أكتوبر عام 1981، وذلك الاحتفال المهيب، فقد كنت أستجمع أشيائي وأودع أهلي لألتحق بالقوات المسلحة بعد تخرجي في كلية الصيدلة في نفس العام، ورأيت بعيني كم كان الرئيس السادات مزهوًا بين ضباطه وجنوده، وهو الذي كان ملقبًا بقائد النصر، ولا شك أنه قاد شعبه وجيشه لهذا الانتصار العظيم، ومن حقه أن يحتفل بالذكرى التي صنعها هو وشعبه وجيشه.. اليوم أتذكرها ولكن مع الأسف بمنظور آخر أتذكرها لأعود لعنوان المقال بالقتل ولماذا القتل!!
لقد قُتل السادات، الرئيس المؤمن الذي كانت علامة الصلاة تملأ وجهه، وهو على منصة الاحتفال من أحد جنوده.. قُتل الرئيس المؤمن الذي أخرج قادة من قتلوه من السجون، واحتفى بهم في مجالسه وعلى شاشات التليفزيون!!.. قُتل الرئيس الذي تضامن مع من قتلوه ووافق ضمنًا أو علنًا على ذهاب الشباب (المجاهدين) إلى أفغانستان؛ ليحاربوا الدولة المارقة الملحدة، وليوقفوا المد الشيوعي، وليقيموا دولة مسلمة (لم تقم حتى الآن!) كما أفهموا شباب المجاهدين.. قتلوه في الوقت الذي انتظر منهم أن يرفعوه وأن يمجدوه!
وإذا كانت جريمة قتل السادات، الرجل الذي لم نشهدهُ يُعلن كُفرهُ مثلًا على الهواء أو أنه حول مصر والعياذ بالله إلى دولة كافرة أو أباح الدعارة (كما يبيحها أردوغان الذي كان ينتظر الخلافة)، لم يفعل الرجل شيئا من ذلك، ومع ذلك قتلوه.. ولمَ لا؟.. هل كان أعظم خليفة على وجه الأرض ظالمًا أو فاجرًا والعياذ بالله (وهو الملقب بالخليفة العادل)؟، ومع ذلك قتلوه.. هل كان عثمان رضي الله عنه الذي تزوج بابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ظالمًا أو مرتدًا (حاش لله)؟، ومع ذلك قتلوه.. هل كانت مدينة العلم وبابها وشيخ الزهاد وزوج فاطمة رضي الله عنها مجرمًا؟.. بالقطع لا ومع ذلك قتلوه.. فلماذا القتل؟
إنني أتذكر وأنا في رحلة بعيدًا عن ديار العرب، أنني وجدت اثنين من الرجال يتشاجران ويصرخان، ولكن لفت نظري أن كلاهما يضع يديه وراء ظهره وكانت المرة الأولى والأخيرة في حياتي أرى شجارًا لا يلمس أحد الآخر!.. ولما سألت لماذا يضعان أيديهما خلف ظهرهما؟، قيل لى إن مجرد لمس أحدهما للآخر جريمة وسيعاقب عليها.. لكننا تعودنا في بلاد العرب على القتل، وتعودنا على أن يكون الشجار بكل أعضاء الجسم (بداية من اللسان إلى الرجل).. إن عقلي أيها العرب، لا يستوعب حتى اللحظة فكرة القتل بين البشر، ولكني أتعامل معها فقط كحقيقة حتمية.. هل يمكن أن تنتهي فكرة القتل؟.. هل يمكن أن نفكر مرة أن نتعايش ونختلف مسالمين؟.. هل يمكن أن نقتنع أن أكبر جريمة في الكون هي القتل أم أن القتل غريزة عربية؟!