هل كان «شبعا بعد جوع؟!»
هناك مثل مصرى شهير أطلقه المصريون على نوعية من الناس إذا كنت حازما معها، آمنت شرها، وإذا حاولت أن تكون خلوقا مهذبا، وجدتها تخرج عن الجادة والصواب وترتكب ما لا يحمد عقباه.. هذا المثل معروف لدى الجميع وهو "سكتنا له.. دخل بحماره"، يعنى أنه حينما تركناه ولم نوقفه عند حده كما يحدث دائما، لم يكتف بالرد السيئ علينا، بل زاد عليه سلوكا معيبا، أو سلوكا تجاوز به الحدود.. حقًا هناك صنف من الناس لا بد من التعامل معهم بحزم طول الوقت، فالتبسط وإظهار اللين والود لا ينفع معه، بل يجعله يتصرف بنزق وطيش وعدم تقدير صائب للأمور..
هذا الصنف إما أنه اعتاد أن يكون منضغطا أو منسحقا طول الوقت، وإما أن تكون هذه هي طبيعته التي لا ينفك عنها ولا يستطيع إلا أن يكونها.. كما أن هناك أناسا ما إن يفتح أمامهم باب انفراج - بعد ضيق - إذا بهم ينسلون منه دون ضابط أو رابط، ودون مراعاة التدرج بين حال الأمس واليوم.. وفيما مضى كنت أسمع على لسان بعض ضباط كبار في جهاز مباحث أمن الدولة قولهم: أن الإخوان إذا تركنا لهم أصبعنا، التهموا ذراعنا، وإذا تركنا ذراعنا، أكلوا كتفنا، وإذا تركنا كتفنا، أتوا على جسمنا كله، ولذلك لا بد أن نكون واعين لهم، حريصين على ألا يتعدوا حدودا معينة، وألا نعطيهم إلا بالقدر الذي لا يمكنهم من التهام أي شيء!!
والحقيقة أن الإخوان لا يختلفون في ذلك عن بقية الشعب المصرى، فهم يحملون جيناته بكل ما لها وما عليها..هم إفراز طبيعى له..وإذا كان الشعب قد عانى - على مدى عقود طويلة - أشد أنواع المعاناة على يد نظم الحكم السابقة؛ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، فإن معاناة الإخوان كانت أشد وأفدح، فكان التضييق والملاحقة والمطاردة والحبس الاحتياطي والمحاكمات العسكرية..إلخ.. ولما كانت مناهج التربية التي تضعها الجماعة لأفرادها، قاصرة وغير قادرة على تصحيح أو تصويب الخلل الموجود لدى هؤلاء الأفراد، علاوة على عدم وجود مربين متخصصين، يمكن لنا القول إنه لا فارق بين الإخوان وغيرهم..
لذا، فقد آثر عن "البنا" قوله: "كم منا وليس فينا، وكم فينا وليس منا"..لقد كنت آمل أن تنتهز الجماعة فرصة ثورة ٢٥ يناير وما أتاحته من حرية غير مسبوقة للشعب بعامة والإخوان بخاصة، أن تعيد ترتيب أوراقها، ولملمة شئونها، وإعادة صياغة هياكلها وتشكيلاتها، لتكون متوافقة ومتسقة مع الأوضاع الجديدة..لكن شيئا من ذلك لم يحدث..
كنت آمل أن تقبل الجماعة على السلطة تدريجيا وعلى مهل، وأن تتبنى نفس المبدأ الذي كانت تتبناه وهو "المشاركة لا المبالغة"، وأن تتحرك في إطار الجماعة الوطنية، لكنها أبت..كنت آمل أن تتنافس الجماعة على عدد محدود من مقاعد مجلس النواب.. وإذا شاركت في تشكيل وزارة، فلا تستأثر بها أو تكون على رأسها، لكن أن تكون جزءا منها.. كنت آمل ألا ترشح أحدا منها لمنصب رئيس الدولة، لكنها - للأسف - فعلت ذلك.. كنت آمل ألا تنتقل من مرحلة إلى أخرى إلا بعد استيعاب المرحلة السابقة، وهكذا..
لكنها أقبلت على كل المراحل دفعة واحدة..هل كان "شبعا بعد جوع"؟! ربما..هل أرادوا أن يعوضوا ما فاتهم في وليمة واحدة، فأصيبوا بتخمة وتلبك معوى؟! ربما..لقد أرادوا الاستحواذ والاستئثار بكل شيء، ففقدوا كل شيء.. إذ، على الرغم من أن الشعب المصرى بكل شرائحه وفئاته وطوائفه هو من قام بثورة ٢٥ يناير، إلا أنه فوجئ بفصيل منه يعطيه "كتفا" ليزيحه من طريقه، وبدلا من أن يكون موحدا ومجمعا، كان مشتتا ومفككا ومشرذما.. وكانت هذه هي البداية، أقصد بداية السقوط.