رئيس التحرير
عصام كامل

ثقوب في «الخطاب الديني».. خلافات وزير الأوقاف وشيخ الأزهر تشعل الحقل الدعوي.. «عبدالسلام» يؤجج خلافات الشيخين.. «جمعة» يتهم مستشار «الإمام الأكبر» بـ «المت

الدكتور محمد مختار
الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف

حينما وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي حديثه للقيادات الدينية في مصر، وعلى رأسهم الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر قوله «سأحاججكم أمام الله»، مطالبا إياهم بثورة دينية تقضي على الأفكار المتطرفة، والقضايا الشاذة الموجودة في بعض كتب التراث، خلال احتفالات مصر بذكرى المولد النبوى الشريف في يناير الماضي، لم يكن يقصد الرئيس أن تقع المؤسسة الدينية الأولى في العالم، التي تدرس الإسلام الوسطى للدنيا كلها، في مشاكل تمنعها من الاستجابة لما نادي به الرئيس وهو تجديد الخطاب الدينى، بسبب سيطرة بعض الأشخاص على المشيخة، الذين لا يهمهم سوى الأهواء والمصالح الشخصية، وغير ذلك من الأسباب التي ستسردها فيتو خلال السطور القادمة، والتي ستؤدى حتما إلى فشل تجديد الخطاب الدينى.



الطيب وجمعة
على مر العصور السابقة لم تعرف مصر أي خلاف حدث بين وزير الأوقاف وشيخ الأزهر الذي يُعد جزءا من المؤسسة الدينية، المنوط به اختيار منصب الوزير وتقديمه للحكومة، بحكم أنه يجلس على رأس السلطة الدينية في مصر، وكانت دائما ما تسير وزارة الأوقاف على نهج شيخ الأزهر وتتبع تعليماته بصفته المتحكم الأول في اختيار منصب الوزير، إلا أن الوضع اختلف كثير في عهد الدكتور أحمد الطيب، شيخ الازهر، والدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، وعرفت المشاكل طريقها إلى المشيخة.

بدأت المشاكل بين شيخ الأزهر ووزير الأوقاف، بعد عام ونصف من تولى مختار جمعة منصب الوزارة وتحديدا في نهاية ديسمبر من العام الماضى، بعد أن رفض الأخير قرارات محمد عبدالسلام، المستشار القانونى للإمام الأكبر، للدرجة التي جعلت الطيب يترك له مهمة اختيار قيادات الأزهر، من أصحاب الثقة وليس الخبرة والكفاءة، وهو ماحدث مع الدكتور محمد أبوزيد الأمير، رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، والذي كان يشغل عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالمنصورة، ويواجه مشاكل كثيرة داخل القطاع، وليس له أي علاقة بالتعليم قبل الجامعى، إلا أنه تربطه علاقة جيدة بالمستشار القانونى لشيخ الأزهر.

ومنذ ذلك الحين، أعلن وزير الأوقاف التمرد على شيخ الأزهر، في سابقة لم تعرفها المؤسسة الدينية من قبل، وحرض زملاءه على المستشار القانونى للإمام لاستبعاده من المشيخة بدعوى انتمائه لجماعة الإخوان، وواجه الطيب ذلك باستبعاد الوزير من جميع الزيارات الخارجية، ومن المكتب الفنى للإمام الأكبر.

وقابل مختار جمعة ذلك بعدم تخصيص أي كلمة لشيخ الأزهر في المحافل الدولية التي تقيمها وزارة الأوقاف، وهو ما حدث في افتتاح المسابقة العالمية للقرآن الكريم والتي حضرها المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء، وتخلف عنها الإمام الأكبر، بعد أن رفض الوزير تخصيص كلمة ومكانا للطيب على المنصة الرئيسية، وأوفد بدلا منه الدكتور محيى عفيفى، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية.

الأمر لم يتوقف عند ذلك فحسب، بل امتد أيضا للعمل الدعوى وتجديد الخطاب الدينى، الذي نادي به رئيس الجمهورية لإنقاذ الشباب من الوقوع فريسة للجماعات المتطرفة، فعمل كل منهما في طريق معاكس، وتم إرسال القوافل الدعوية إلى المحافظات كل على حدة، بعد أن كانت تُرسل من قبل تحت مسمى قوافل الأزهر والأوقاف بالرغم من أنهما يؤديان عملا واحدا.

الخلافات بين الطيب وجمعة امتدت أيضا إلى قضية تجديد الخطاب الدينى، بعد أن قررا العمل فيها منفردا، وأقامت وزارة الأوقاف ندوة للتجديد أواخر مايو الماضى دعت فيه علماء من كافة الاتجاهات، ولم توجه الدعوة لشيخ الأزهر أو أي من قيادات المشيخة، ولم يحضر أحد، ما يدل على أن الوزارة تسير في واد والأزهر في واد آخر وخرجت الندوة بتوصيات سطّرها جميع المشاركين فيها.

ومن جانبه، عقد الطيب ثلاث لقاءات بالمشيخة مع عدد من المثقفين والكتاب والإعلاميين، لوضع ضوابط وآليات تجديد الخطاب الدينى دون دعوة الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف.


تهميش العلماء
مع تولى الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، منصبه في عام 2010، حرص على لم شمل الأسرة الأزهرية، التي فرط عِقدها في الأيام الأُخَر لسلفه الدكتور محمد سيد طنطاوى، وعمل الطيب على الاستماع لكل الرؤى في محاولة منه للنهوض بالمؤسسة مرة أخرى وإعادتها إلى ما كانت عليه من قبل.

وتغير الحال مع بدء استعانة الإمام الأكبر بمحمد عبدالسلام، المستشار الدستورى والقانوى له، ابن الــ 35 ربيعا، والذي حرص منذ أن جاء بديوان مظالم المشيخة أن يتحكم في كل شىء داخل المشيخة بدءا من اختيارات القيادات الأزهرية وحتى إرسال الوعاظ للخارج.


ووصلت درجة التهميش التي ينتهجها المستشار القانونى للإمام الأكبر، لعلماء الأزهر، إلى عدم دعوة الدكتور أسامة الأزهرى لندوة التجديد في الفكر التي أقيمت بمركز الأزهر للمؤتمرات وغيره من الأساتذة، على الرغم من أنه المؤتمن من قبل رئيس الجمهورية، والمكلف بتجديد الخطاب الدينى.

الخطاب الدينى
حينما شرع الأزهر في قضية تجديد الخطاب الدينى، من خلال ندوة «التجديد في الفكر»، التي أقيمت أواخر أبريل الماضى، بحضور الدكتور أحمد الطيب، لم يفطن مسئولو الأزهر لموضوع في غاية الأهمية، وهو معنى مصطلح التجديد وماهو المراد به، ما أدى إلى عدم وجود توافر تعريف محدد حتى الآن له.

ولم يبذل قيادات الأزهر، أي مجهود لإيضاح ماهو المراد بالتجديد هل هي الخطبة أم المادة العملية أم الكفاءات الدعوية نفسها، وماهى المعايير التي تم وضعها لمن يلتحق بالعمل الدعوى، وغير ذلك من الأسباب، التي جعلت عددا من الوعاظ يتساءل في ندوة أقامها مجمع البحوث الإسلامية خلال الموسم الثقافى يتساءلون حول معنى تجديد الخطاب الدينى.

متابعة الدعاة
حينما تولى الإمام الراحل الدكتور عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، منصبه عام 1973 كان يحرص دائما على النزول للمؤسسات التابعة للأزهر الشريف، والتعرف عن قرب على المشاكل التي تواجه العمل الدعوى، ويعمل على حلها بنفسه، وكان يعمل إلى جواره الشيخ محمد متولى الشعراوى، الذي كان يشغل منصب وزير الأوقاف في ذلك الوقت، فتركا منهجا يسير عليه شيوخ الأزهر ووزراء الأوقاف فيما بعد.

ومند فترة طويلة تغير الحال كثيرا، واكتفى شيوخ الأزهر بالتقارير المجمَّلة التي تُرفع إليهم، ولم يكلفوا أنفسهم عناء النزول إلى المساجد ومناطق الوعظ، للتعرف عن قرب على المشاكل التي تواجه الدعاة، والأزمات التي يعانون منها والتي قد تؤدى بالفعل إلى فشل تجديد الخطاب الدينى.

وفى عهد الدكتور أحمد الطيب، تقلص منصب شيخ الأزهر، واكتفى بمقابلة الوفود الخارجية، ومتابعة الوعاظ والدعاة والمؤسسات التابعة للأزهر من خلال التقارير التي تُرفع إليه.

الدعاة والوعاظ
ويعد من الأسباب الرئيسية التي تهدد تجديد الخطاب الدينى بالفشل، بسبب عدم العناية والرعاية بهم وتأهيلهم.
يعمل بالأزهر الشريف 2200 واعظ مكلفون بعمل القوافل الدينية لجميع محافظات الجمهورية، وهو عدد قليل جدا، في ظل الفتاوى المتطرفة والعمليات الإرهابية التي تحدث في مكان، بيد أن محافظتى سيناء تحتاجان إلى 1000 واعظ فقط، بسبب انتشار الجماعات المتطرفة هناك.

وطالب عدد من الوعاظ، الأزهر الشريف بالاعتناء بهم ماديا وأدبيا وعلميا، عن طريق عقد الدورات التأهيلية لهم حتى يتمكنوا من أجاء رسالتهم، وأن يتم تزويدهم بكل ثقافات العصر، حتى يواجهوا الإفكار الغريبة ويفندون شبهها ويكشتفون عوارها.

وقال بعض الوعاظ رفضوا ذكر أسمائهم لـ«فيتو»، خوفا من المسائلة، إن مرتباتهم الشهرية لا تكفى لمتطلبات الحياة، فضلا عن متطلباتهم كدعاة من حسن مأكل وملبس ورعاية وعناية، وفى ظل أجواء مرتفعة الأسعار، وأن يكون لهم تأمين صحى وطبى شامل أسوة ببقية العاملين بالدولة.

وطالب وعاظ الأزهر الشريف الدولة برعايتهم وعنايتهم، حتى يتفرغوا لأداء رسالتهم، ولا ينشغلوا بأعمال تؤثر على عطائهم، وأن يتم منحهم كادرا خاصا، كبقية العاملين، وأن يتم تأسيس نقابة خاصة تعبر عنهم، وتنطق بلسانهم وتعمل على وحدتهم وتجمعهم، حتى يتصدوا لكل معاول الهدم، التي تهدد الأمن القومى للبلاد.

ومن جانبه تساءل الدكتور بكر زكى، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، هل نية تجديد الخطاب الدينى متوافرة لدى مسئولى المشيخة أم لا، أم إنهم يعقدون الندوات والمؤتمرات، لإرضاء القيادة السياسية، التي نادت أكثر من مرة بضرورة التجديد.

وأضاف زكى لفيتو، أن هناك عدة أسباب أدت إلى وجود عجز نسبى في قضية تجديد الخطاب الدينى، وهى عدم وضع تعريف محدد له حتى الآن، وعدم وضع معايير محددة للدعاة الذين سيلتحقون بالعمل الدعوى ومن يتصدى للدعوة، وعدم الاهتمام بالكتب الدراسية.

وأوضح أستاذ الثقافة الإسلامية، أنه يجب أن نأخذ في الاعتبار دقة الامتحانات والتصحيح، للعمل على تخريج كفاءات علمية دعوية، تكون مؤهلة لتجديد الخطاب الدينى.

وطالب الشيخ محمد زكى، الأمين العام للجنة العليا للدعوة بالأزهر الشريف، المسئولين بأن يكونوا بجوار الأزهر، ويعينوه على أداء رسالته، ومد يد العون للوعاظ، المُلقى على عاتقهم أمر تجديد الخطاب الدينى.

وأضاف لفيتو، أن الأزهر يحتاج إلى زيادة عدد الوعاظ إلى عشرة آلاف، حتى يتمكنوا من تغطية جميع محافظات مصر، والدفع بواعظات من السيدات المؤهلات لذلك ليشاركن في الملتقيات النسائية التي تعقد بالنوادى ومراكز الشباب والمساجد، كما كانت تفعل السيدة عائشة رضى الله عنها، وإعادة تأهيلهم حتى يتمكنوا من صنع خطابا ربانيا شاملا، يعمل على تجديد الإيمان ورقى الإنسان وتحضر الحياة، لا يلحق برَكب الأمة، بل ليقودها.

ودعا الأمين العام للجنة العليا للدعوة بالأزهر الشريف، الوعاظ بأن يكونوا على قدر مسئولياتهم، وأن يحافطوا على هوية الأمة ومعالم دينها وحضارتها ورُقيها، عاملين على حفظ المصالح العليا للوطن، ولكم من الشعب المصرى كل حب وتقدير.
الجريدة الرسمية